بقلم : سمير عطا الله
تعودت العثور على المنجزين العرب في كتابات الصحافيين أو المؤلفين الأجانب، لسبب ما يرون ما لا نرى، أو يسبقوننا إلى رؤيته. وقد تعلّموا في مدارسهم وجامعاتهم الالتفات إلى نواحٍ نعتبرها نحن أموراً عادية أو لا تستحق الذكر.
في يومٍ من أواخر الستينات أو أوائل السبعينات صدرت «التايم» وعلى غلافها صورة المهندس المصري حسن فتحي. كان غلاف «التايم» وقتها أشهر حدث أسبوعي في عالم الصحافة. إلا أنه كان يعطى في الغالب لزعيم سياسي، أو لنشوب حربٍ ما، أو أي شيء من هذا القبيل. في حالاتٍ نادرة جداً كانت تظهر على الغلاف صورة فنانٍ مثل بيكاسو، أو مهندسٍ أميركي حقق خرقاً في عالم البناء والعمار. من الريف المصري اخترق حسن فتحي، بتواضعه وقلنسوته الريفية، النمط السائد في الاختيار.
وفيما كان الشائع أن الغرب يحارب أي موهبة عربية كبرى، بدا وكأن «التايم» تجامل المجدد والمبتكر الذي كرّس حياته يبحث عن مأوى ملائمٍ للفقير، من دون أن يتقاضى هو فلساً واحداً على كل ما بناه. ولد حسن فتحي في الإسكندرية عام 1900 لعائلة ميسورة، لكنه قرر التكرس لمساعدة المحتاجين. وحاول في البداية أن يكون مهندساً زراعياً يعمل إلى جانب الفلاحين في الأرياف، لكنه أخفق في الامتحان، فتحوّل إلى الهندسة المدنية، وأراد أن يثبت أن العمارة النوبية تستوفي شروط السكن البيئي أكثر من العمارة الكلاسيكية الحديثة. وهكذا بنى قرية القرنة النموذجية في الأقصر عام 1946.
وبين العام 1949 و1952 عمل خبيراً لدى الأمم المتحدة في إغاثة اللاجئين، وفي الفترة نفسها أشرف على إدارة المباني المدرسية في وزارة المعارف، وعندما توفي عن 89 عاماً كان قد ترك خلفه ما يزيد على 160 مشروعاً معمارياً في مصر والعراق وباكستان، وحصد عدداً كبيراً من الجوائز الدولية.
لم يتوقف اهتمام حسن فتحي بالفلاّحين والغلابة عند أي حد. وكان عندما يبني لأحدهم منزلاً، يسأله أولاً عن حاجاته فيه. ولم يكن مشهداً غريباً على الإطلاق أن معظم البيوت التي بناها في الأرياف كان ملحقاً بها مراحٌ خاص للماشية. وكان يقول: «إن الله قد خلق في كل بيئة ما يقاوم مشكلاتها من المواد الطبيعية، وليس على المعماري سوى الاعتماد على هذه المواد التي تقاوم قسوة البيئة». بالنسبة إليه بيت الإنسان، هو حياته. ولذا فكّر في كل وسيلة ممكنة من وسائل راحته. وكان يردد جملة تحولت إلى شعار: «إن الله لن يغفر لي مطلقاً أن أفعل ما يرفع الحرارة في أي بيتٍ من بيوت الناس».
نقلًا عن الشرق الآوسط اللندتية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع