توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مائة عام على ثورة 1919

  مصر اليوم -

مائة عام على ثورة 1919

بقلم - نيفين مسعد

(2010-2020) هى عشرية الاحتفال بمرور مائة عام على ثلاث من الثورات الكبرى التى شهدها مطلع القرن العشرين، وهى الثورة الصينية (1911) والثورة الروسية (1917) والثورة الأبرز فى التاريخ المصرى المعاصر أى ثورة 1919. أطاحت الثورتان الصينية والروسية بالحكم الإمبراطورى وأفضتا إلى تأسيس نظام جمهورى فى الحالتين، أما ثورة 1919 فلقد أنهت الحماية البريطانية على مصر وأسست للملكية الدستورية، ومن يقرأ دستور 1923 لابد أنه سيتوقف كثيرا أمام النضج الذى صيغت به العلاقة بين السلطات فى هذه المرحلة المبكرة من التاريخ المصرى، وسوف يلحظ تبلور حقوق المصريين وواجباتهم قبل نحو ثلاثين عاما من صدور الإعلان العالمى لحقوق الإنسان. يصعب القول إنه كان للثورتين الصينية والروسية تأثيرهما المباشر على اندلاع ثورة 1919، اللهم إلا فى استلهام بعض تكنيكات العمل السرى فى مواجهة الاحتلال البريطانى ومن يتعاون معه من المصريين، عدا هذا كان هناك بعض التحَسُب من امتداد الأفكار الشيوعية إلى مصر. ومع أن المبادئ الأربعة عشر للرئيس الأمريكى ويلسون - وفى مقدمتها مبدأ حق تقرير المصير- كانت تعزز حق المصريين فى الاستقلال عن بريطانيا إلا أن ويلسون انحاز لرغبة بريطانيا فى إدامة حمايتها على مصر. صفوة القول إن المناخ العالمى الذى انبثقت فيه ثورة 1919 كان يحمل بعض الأفكار المواتية لحركات التحرر، إلا أن الاستفادة منها كانت محدودة. وبينما كان هذا هو الحال فى مطلع القرن العشرين فإن مبررات الثورة المصرية كانت تختمر وتنضج، وأسهم النضال الوطنى المصرى خصوصا منذ الربع الأخير من القرن التاسع عشر فى تقديم خبرات تاريخية يمكن البناء عليها، حتى إذا وضعت الحرب العالمية الأولى أوزارها وبدأ التجهيز لمفاوضات الصلح بين الأطراف المتحاربة كان ذلك إيذانا بإطلاق شرارة ثورة 1919 .

فى معرض تقييم آثار ثورة 1919، يمكن القول إن أثرها الأهم تَمَثَل فى بلورة الهوية الوطنية المصرية وتأسيس المجال العام فى مصر، فلقد أخرجت الثورة المصريين للمرة الأولى من انتماءاتهم الطبقية والفئوية والدينية الضيقة إلى رحاب المواطنة الواسعة على حد تعبير المفكر الكبير سمير مرقس، فنظام الحماية الذى فرضته بريطانيا على مصر اعتبارا من عام 1914 وحّد المصريين بمختلف مشاربهم فى مواجهته وجعلهم جاهزين للتحرك، وكان أن أدرك سعد زغلول طبيعة اللحظة التاريخية المواتية فتقدم لقيادة الحركة الوطنية. هنا يمكن القول إن الالتفاف الشعبى حول سعد ورفاقه هو ما وفر لثورة 1919 عمقا لم يتوفر لحركة أحمد عرابى ولا لنضال مصطفى كامل، وأنه الذى سمح باستخدام آليات بالغة التنوع لإنجاز التحرر الوطنى وتحقيق أهداف الثورة،  فلقد شملت هذه الآليات توزيع المنشورات وتنظيم المظاهرات والإضرابات وقطع خطوط السكك الحديدية ومهاجمة المصالح البريطانية، وصولا إلى إعلان استقلال جمهورية زفتى. أما الآلية الأبرز والأكثر دلالة على التفاف المصريين حول قيادة سعد فتمثلت فى حركة جمع التوقيعات من مختلف ربوع القطر المصرى . كانت آلية جمع التوقيعات جديدة على حركات التحرر الوطنى، لكنها كانت آلية بالغة التأثير، لأنها أكسبت سعد ورفاقه مشروعية الحديث باسم الشعب المصرى باعتبارهم وكلاء عنه. ويوجد ثمة شبه بين فكرة التوقيعات هذه وفكرة العقد الاجتماعى التى دعا إليها الثلاثى هوبز ولوك وروسو فى القرنين السابع عشر والثامن عشر، مع الوعى بوجود اختلافين أساسيين بينهما، الاختلاف الأول هو أن عقد سعد كان فيما بين المحكومين وبعضهم البعض فيما كان عقد الفلاسفة الثلاثة بين المحكومين والحاكم، والاختلاف الثانى هو أن عقد سعد كان ذا طابع راديكالى، لأنه توكيل بالنضال لنيل الاستقلال، بينما الفكرة الأصلية للعقد الاجتماعى تتضمنت تنازل المحكومين عن سيادتهم للحاكم مقابل حفظ أمنهم أو توحدهم مع إرادة الحاكم.

لم يكن الإنجاز السياسى لثورة 1919 هو الإنجاز الوحيد على الرغم من قيمته الكبيرة، فلقد تركت الثورة آثارا بالغة العمق على مختلف جوانب الحياة الثقافية والاجتماعية والاقتصادية المصرية، وهذا هو حال الثورات الحقيقية التى تمثل قطيعة مع كل مقومات النظام السابق عليها. ثقافيا ألهمت الثورة مبدعين مصريين كبارا فى مجالات الأدب والصحافة والمسرح والغناء والفنون التشكيلية، كما أنها ألهمت السينما لاحقا وقدمّت مادة خصبة للعديد من الأفلام التى احتلت مكانها بين أهم مائة فيلم فى التاريخ السينمائى المصرى. واجتماعيا صكّت الثورة شعار عاش الهلال مع الصليب ومن بعد صار هذا الشعار إطارا حاكما لفلسفة حزب الوفد، و من جهة أخرى كانت الثورة هى بوابة الخروج الكبير للمرأة إلى الحياة العامة وتوحدها مع الحركة الوطنية فاستشهدت شفيقة محمد فى الشهر الأول للثورة وصارت صفية زغلول أُمّاَ للمصريين. واقتصاديا وضعت الثورة أسس الاستقلال الاقتصادى بقيام بنك مصر، ولم يتورع طلعت حرب عن دعم صناعة الكتاب وعيا منه بالترابط الوثيق تبين كل مقومات النهضة.

إن حدثا بهذه الأهمية الضخمة حريُ بالاحتفاء بمئويته واستحضار دروسه وهى كثيرة، ومن حسن الطالع أنه فى الوقت الذى يُنشَر فيه هذا المقال تبدأ فاعليات المؤتمر الكبير الذى يقيمه المجلس الأعلى للثقافة بمناسبة مئوية ثورة 1919، وهو مؤتمر يشارك فيه بخمس وسبعين ورقة باحثون من عدة دول عربية فضلا عن فرنسا بمفكرها الكبير المصرى الأصل روبير سوليه، وهذا يعنى أنه حتى بعد مرور مائة عام مازالت ثورة 1919 لم تفصح بعد عن كل مكنوناتها .

نقلًا عن الاهرام

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع  

GMT 05:50 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

هل لديك الشجاعة؟!

GMT 05:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

الأدوات السياسية

GMT 05:46 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

كيف نتصدى لإيران في الخليج؟

GMT 05:31 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"الممر"

GMT 05:28 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

عيون وآذان (إسرائيل تتآمر على ما بقي من فلسطين)

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مائة عام على ثورة 1919 مائة عام على ثورة 1919



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 02:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى
  مصر اليوم - أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى

GMT 03:37 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - رفض دعاوى بي إن القطرية ضد عربسات بشأن بي أوت

GMT 12:48 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على تاريخ مصر القديمة في مجال الأزياء والموضة

GMT 03:59 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة في حادث الاعتداء على هشام جنينه

GMT 10:53 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

العلماء يحذرون عشاق "شاي الأكياس" من المخاطر الصحية

GMT 15:26 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

ميلان يضع خُطة لإعادة تأهيل أندريا كونتي

GMT 09:19 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

وصول جثمان إبراهيم نافع إلى مطار القاهرة من الإمارات

GMT 08:13 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

التغذية غير الصحية كلمة السر في الشعور بالخمول

GMT 09:09 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

طارق السيد ينصح مجلس إدارة الزمالك بالابتعاد عن الكرة

GMT 00:47 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

أمن الإسماعيلية يرحب باستضافة المصري في الكونفدرالية

GMT 18:22 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

القدر أنقذ ميسي من اللعب في الدرجة الثانية

GMT 09:28 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

عرض فيلم "نساء صغيرات" في الإسكندرية

GMT 12:20 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

طلائع الجيش يبحث عن مهاجم سوبر فى دوري المظاليم

GMT 15:09 2019 الإثنين ,03 حزيران / يونيو

فان ديك يحصد لقب أفضل لاعب بنهائي دوري الأبطال

GMT 15:15 2019 الأربعاء ,03 إبريل / نيسان

مشروع "كلمة" للترجمة يصدر "كوكب في حصاة"

GMT 20:20 2019 السبت ,09 شباط / فبراير

صدور رواية "الطفلة سوريا" لعز الدين الدوماني
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2025 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2025 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon