توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

عشرون عامًا مع الدكتور أحمد زويل.. ما قبل نوبل وما بعدها

  مصر اليوم -

عشرون عامًا مع الدكتور أحمد زويل ما قبل نوبل وما بعدها

أحمد المسلماني

قال لي الدكتور أحمد زويل: سأنتظرك في بهو الفندق الساعة الحادية عشرة صباحًا.. وحيث إنني "فلاح متقدِّم" سأكون في مقعدي بالفيمتو ثانية.. وحيث إنَّك "فلاح غير متقدِّم" فأنا أتوقع.. أنك ستتوه في شوارع مانهاتن عدة ساعات.. وعلى ذلك فأنا سأجلس طيلة موعدك.. ومعي كتاب أقرأه.. لأنك قد تقضي زيارتك إلى نيويورك.. "تائهًا"!

كانتْ هذه هى الشخصية المرِحَة للدكتور زويل.. يمكنه أن يحافظ على الابتسامة طوال الوقت.. وأن يوازي في تناغمٍ مدهشٍ.. بين عبقريّة العلم وعبقريّة الحياة.

اتسمتْ شخصية الدكتور أحمد زويل بالثراء الشديد.. فهو ابن الحضارات الثلاث.. الأعرق والأوسط والأحدث.. هو ابن الحضارة الفرعونية.. أعرق الحضارات في العالم، وهو ابن الحضارة العربية الإسلامية.. أقوى الحضارات الوسطى وأعلاها مكانة.. وابن الحضارة الأمريكية المعاصرة.. أحدث حضارات الإنسانية وأكثرها سطوةً وإبهارًا.

كان هذا المثلث الحضاري هو الحاكم لشخصية الدكتور زويل.. من دمنهور إلى دسوق في دلتا مصر، ومن الإسكندرية إلى بنسلفانيا.. من شاطئ المتوسط إلى ما بعد الأطلسي.. ومن جامعة كالتك في كاليفورنيا إلى جامعة زويل في القاهرة.. في رحلة العودة من الحضارة الأحدث إلى الحضارة الأعرق.

طيلة تشرُّفي بالعمل معهُ مستشارًا لسنوات طويلة، ومحررًا لكتاب "عصر العلم" الذي يحمل مذكراته ورؤيته للحضارات الثلاث.. وخلال صحبةٍ طويلةٍ سعدتُ بها.. وتعلمتُ منها.. كنتُ شاهدًا على تجلِّيات هذا المثلث الحضاري.. من اللقاءات الفكرية في منزله في منطقة أهرامات سقارة.. إلى زيارات عائلته في الإسكندرية.. والدته وشقيقاته الثلاث: هانم وسهام ونانا زويل.

ومن تقديم واجب العِلم في جامعة الملك عبد الله بن عبد العزيز في جدة ولقائنا الملك سلمان في الرياض.. إلى تقديم واجب العزاء في الراحل رفيق الحريري في بيروت.. مع تعثُّر مشروع بناء جامعة كبرى في لبنان بعد أن انتصرت السياسة على المعرفة.

ومن حضور محاضرة ثقافية رفيعة في مقر منظمة اليونسكو في باريس إلى حضور محاضرة علمية رصينة في رحاب جامعة مدريد.. ومن حضور مراسم تسلُّم شهادة الدكتوراة الفخرية في الجامعة الأميركية في بيروت بحضور المطربة اللبنانية فيروز والأمير كريم الأغاخان.. إلى حضور مراسم تسلُّم شهادة الدكتوراة الفخرية في جامعة بودابست بحضور نخبة من علماء أوروبا.

ومن اجتماعات تطوير "مؤسسة قطر" في الدوحة إلى زيارة مؤسسات بحثية في بوخارست. ثم من زيارة المنتديات العلمية في تونس إلى زيارة الجامعة الأردنية في عمّان.. إلى زيارة النخبة العلمية في السودان.

في مصر.. وفي تلك العواصم العشر في القارات الأربع.. كنت أتعلم في كل فيمتو ثانية الكثير والكثير. كان الدكتور زويل يملك قدرة هائلة على إدارة الوقت.. كان يخطط لكل الرحلة.. وفي العادة كان جدوله كالتالي: نصف الوقت في الطريق إلى المطار يُجري اتصالات هاتفية جرى تحديدها سلفًا، والنصف الثاني كلام في الجوانب الاجتماعية والشخصية. ونصف الوقت في استراحة المطار في قراءة الصحف الصادرة في بلد المطار، والنصف الثاني في تناول بعض المـأكولات ومتابعة اللوجيستيات والإجراءات. وفي حال تأخُّر الطائرة.. توجد "مكتبة في الحقيبة".. في العادة من خمسة كتب إلى عشرة.. باللغتين الإنجليزية والعربية.. اثنان منها في حقيبة اليد.. يتناول الدكتور زويل "الكتاب المقرر".. ثم يقرأ إلى حين الصعود.

على الطائرة.. يقرأ حائز نوبل الأبحاث الأكاديمية والأوراق العلمية ويكتب الملحوظات.. ولا يقرأ الصحف ولا المجلات على الطائرة.. كما أنه لا يفضل الحديث.. ويتعامل مع مقعد الطائرة باعتباره مكتبًا طائرًا.

في الطريق من المطار إلى الفندق في بلد الوصول.. لا يقرأ الدكتور زويل.. ويبدأ الأحاديث ذات الطابع المبهِج.. والمضحك.. ليسأل عن المواقف الساخرة وآخر النكات.. بحيث تصبح الرحلة من مطار الوصول أشبه بمشاهدة فيلم كوميدي أو فاصل ترفيهي.

هكذا كان الدكتور زويل في كل حياته.. يعرف تمامًا ما الذي سيفعل.. لديه رؤية لكل شيء.. وإجابة على كل لحظة.. ينظم المسافة بين العِلم والراحة، وبين السياسة والعائلة، وبين الفكر والتسلية.. في قدرة مثيرة على ضبط الأوزان والمسافات.. دون لحظة ارتباك واحدة.

كان الدكتور زويل يكتب كل يوم أبرز أحداث ذلك اليوم.. وقد قال لي عدة مرات حين سألته: لماذا لا نكتب كتابًا ثانيًا عن هذه الملحوظات.. وعن الجوانب الأكثر إنسانية في حياته.. وعن آرائه فيمَن يرى ومَن يقابل؟.. أجابني مؤسس علم كيمياء الفيمتو: سوف أفعل ذلك في الوقت المناسب.

مرّت سنوات على ذلك الاستعداد للكتابة النهائية والنشر.. وكان يقول لي باستمرار: سوف نحرر هذا الكتاب معًا كما فعلنا في كتاب عصر العلم.

أشعرُ بالحزن العميق والأسى الشديد إزاء فقدان الدكتور زويل.. وأننا لم نتمكن من نشر هذا العمل الكبير في حياته.

خارج العلم.. كان الدكتور زويل مثقفًا حقيقيًّا.. كان يتحدث مع الأساتذة عبد الرحمن الأبنودي وبهاء طاهر وفاروق جويدة وعلاء الأسواني.. باستمرار، وقد سمعته يروي للأستاذ نجيب محفوظ حين التقيناه لكتابة مقدمة كتابه "عصر العلم".. عن صداقته مع حائزي نوبل في الآداب جارثيا ماركيز وجونتر جراس.. وعن لقائه مع قادة مثقفين لهم اطلاع واسع مثل الرئيس الأمريكي الأسبق "بيل كلينتون" وزعيمة ألمانيا "أنجيلا ميركل".

وقد توطدت علاقة الدكتور زويل بملوك أوروبا وقادة عديدين حول العالم.. كان صديقًا للرئيس عبد الكلام في الهند، والدكتور مهاتير محمد في ماليزيا، والرئيس رجب طيب أردوغان في تركيا، وقد قال لي: إن أردوغان حين استقبله للمرة الأولى.. قال له: "يمكننا التفاهم بسهولة.. إننا مواليد برج الحوت.. وكلانا في يوم واحد.. 26 فبراير".. وحكى لي كثيرًا عن تقديره لحسن استقباله في إيران.. وكرَّر على مسامعي مديحه للرئيسيْن رافسنجاني وخاتمي.

حين تحدثتُ إلى نبيل أحمد زويل -نجل العالِم الكبير، وهو خريج قسم العلوم السياسية في جامعة جورج تاون- أكَّد لي الخبر المحزن.. وقال إن العائلة تحيط بجثمانه في المستشفي بكاليفورنيا قبل أن يعود إلى القاهرة.. كانت هذه واحدة من أصعب المكالمات في حياتي.. وكان هذا الخبر الأكثر صدمة خارج عائلتي.

وحين زرت العائلة في الإسكندرية واصطحبتها لاستقبال الجثمان في مطار القاهرة.. لم تحتمل مشاعري على الإطلاق طبيعة اللقاء مع الدكتور زويل متمددًا في صندوق عند مدخل قاعة كبار الزوار.. لطالما كان العالِم الكبير ممتلأً بالحياة والأمل ونحن نلتقي في هذه القاعة، ولكننا هذه المرة نلتقي بعد نهاية الرحلة وعند آخر المشوار.

سوف أظل وفيًّا لذكرى هذا العالِم الكبير على الدوام.. ولا أحتاج لأن أتذكر حياته باستمرار.. ذلك أنها - أيضًا – جزء من حياتي.. صديقًا ومستشارًا.. مسافرًا في رحلاته وكاتبًا لمذكراته.

إن الدكتور أحمد زويل رمز قومي لبلادنا.. وأسطورة عاشت معنا.. وستبقى بيننا.

GMT 12:51 2016 الأحد ,21 آب / أغسطس

بريطانيا الجديدة

GMT 10:11 2016 الأحد ,14 آب / أغسطس

10 خرافات حول الدكتور أحمد زويل

GMT 05:16 2016 الأحد ,24 تموز / يوليو

فتح الله جولن فى القاهرة

GMT 12:54 2016 الأحد ,17 تموز / يوليو

شاحنة نيس إذْ تدهس الإنسانية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عشرون عامًا مع الدكتور أحمد زويل ما قبل نوبل وما بعدها عشرون عامًا مع الدكتور أحمد زويل ما قبل نوبل وما بعدها



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 12:48 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على تاريخ مصر القديمة في مجال الأزياء والموضة

GMT 03:59 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة في حادث الاعتداء على هشام جنينه

GMT 10:53 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

العلماء يحذرون عشاق "شاي الأكياس" من المخاطر الصحية

GMT 15:26 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

ميلان يضع خُطة لإعادة تأهيل أندريا كونتي

GMT 09:19 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

وصول جثمان إبراهيم نافع إلى مطار القاهرة من الإمارات

GMT 08:13 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

التغذية غير الصحية كلمة السر في الشعور بالخمول

GMT 09:09 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

طارق السيد ينصح مجلس إدارة الزمالك بالابتعاد عن الكرة

GMT 00:47 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

أمن الإسماعيلية يرحب باستضافة المصري في الكونفدرالية

GMT 18:22 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

القدر أنقذ ميسي من اللعب في الدرجة الثانية

GMT 09:28 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

عرض فيلم "نساء صغيرات" في الإسكندرية
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2025 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2025 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon