توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الاقتصاد المصرى فى الخمسين عاما الأخيرة

  مصر اليوم -

الاقتصاد المصرى فى الخمسين عاما الأخيرة

بقلم - جلال أمين

 زارنى صحفى بريطانى كان يريد أن يعرف كيف كانت مصر منذ خمسين عاما، وقد شجعه على هذا عنوان كتابى (ماذا حدث للمصريين بين 1945 و1995). قلت له إنى مازلت أذكر أشياء كثيرة عن أحوال المصريين عقب الحرب العالمية الثانية، وأذكر ما كان المصريون يشعرون به نحو الملك فاروق (وقد كانت فى الغالب مشاعر سخط واستياء لما كان يصل إلى أسماعنا من أخبار عن علاقاته النسائية وإدمانه الخمر والمقاهي.. الخ). وانقلب استياؤنا إلى سرور غامر بقيام ثورة 1952 (التى كان الضباط يسمونها فى البداية «حركة»، وقد يضيفون وصف «مباركة».

أصابنا شعور مؤقت بخيبة الأمل فى 1954 عندما أعلن تنحية محمد نجيب عن الحكم بسبب خلافه مع بعض الضباط (ولم يكن اسم جمال عبدالناصر يذكر كثيرا فى ذلك الوقت) ولكن سرعان ما عاد إلينا التفاؤل عندما سمعنا خطاب تأميم قناة السويس فى يوليو 1956 ثم إعلان اتحاد مصر وسوريا فى فبراير 1958 وفرح كثيرون (وأنا منهم، بصدور إجراءات التأميم فى 1961، وإن أصابتنا خيبة أمل عندما أعلنت سوريا انفصالها عن مصر بعد التأميمات بشهور قليلة. ولم يلق ذهاب الجيش المصرى إلى اليمن لتأييد الانقلاب الذى حدث فيها فى 1962، ترحيبا كبيرا فى داخل مصر. ثم زاد ضيقنا مع ازدياد درجة الدكتاتورية وتحول مصر أكثر فأكثر إلى دولة بوليسية حتى وقعت الضربة القاصمة فى 1967.

«سألنى الصحفى البريطانى عن صحة ما ذكرته فى أحد كتبى من أن أثر هزيمة 1967 فى نفوس المصريين مازال قائما حتى الآن رغم مرور أكثر من خمسين عاما عليها، فأجبته بعد تفكير لم يستمر طويلا بأننى أظن أنه مازال قائما.

قلت له: إن آمالنا كانت قد ارتفعت قبيل الهزيمة إلى عنان السماء، تحت تأثير الدعاية السياسية المستمرة، فجاء مضاعفا فى قسوته وسرعته كان الترنح شديدا وكأننا لاندرى ما الذى يمكن لنا أن نصنعه، وأظن أن نشوء ظاهرة (الشيخ إمام وأحمد فؤاد نجم) كانت تعبر بوضوح عن حالتنا حينئذ، إذ كانت أشعار نجم وغناء الشيخ إمام شيئا يتراوح بين الضحك والبكاء.

استمرت أحوالنا أقرب إلى الذهول منها إلى أى شيء آخر لعدة سنوات بعد الهزيمة، واقترن ذلك بتدهور شديد فى الأحوال الاقتصادية، توقفت أو شبه توقف تام فى الاستثمارات الأجنبية والمعونات الخارجية (فيما عدا بعض المنح التى تعطى على سبيل العطف من بعض الدول العربية)، وهروب المستثمرين المصريين إلى الخارج، وكذلك كثيرون من أصحاب الكفاءات وشيوع البطالة، واقترن هذا بإغلاق قناة السويس ومن ثم توقف إيراداتها.

استمرت الحالة الاقتصادية السيئة حتى منتصف السبعينيات عندما أعلن أنور السادات تبنى سياسة الانفتاح التى اقترنت أيضا ببدء حركة هجرة واسعة إلى دول الخليج مع الارتفاع المفاجئ فى أسعار النفط. عاد الاقتصاد إلى «الانتعاش» بل وارتفع بشدة معدل نمو الناتج القومى فى السنوات العشر التالية (75 ـ 1985)، فتجاوزت 7% سنويا، ثم عادت الأمور إلى مستوياتها الطبيعية منذ ذلك الحين، بعد ميل أسعار النفط إلى الانخفاض وبدء عودة أعداد كبيرة من المهاجرين إلى مصر خاصة بعد هجوم العراق على الكويت.

منذ ذلك الوقت تراوح معدل نمو الناتج القومى بين 4 و 5% وهو معدل يزيد على معدل نمو السكان ولكنه لا يشيع تفاؤلا كبيرا فى المستقبل الاقتصادي.

واستمرت الحال كذلك لما يقرب من عشرين عاما. ارتفعت الآمال لفترة قصيرة فى أوائل القرن الجديد مع قدوم حكومة أحمد نظيف ولكن سرعان ما عاد التشاؤم بحدوث الأزمة العالمية فى 2008، ولم تعرف مصر معدلا للنمو أعلى من 5% منذ ذلك الحين.

طوال الأربعين عاما الماضية (أى منذ تدشين السادات لسياسة الانفتاح الاقتصادي) اعتاد الاقتصاديون والسياسيون فى مصر على أن يعلقوا الآمال فى التحسن الاقتصادى على ما يأتينا من الخارج: من الاستثمارات الأجنبية أو إيرادات السياحة، بدلا من تعليق الآمال على ما يمكن أن تقوم به الدولة المصرية. كيف يمكن أن نفسر ذلك؟ هل هو تغير ظروف مصر أم ظروف العالم؟ كان ما حدث للاقتصاد المصرى منذ السبعينيات انعكاسا لما يحدث فى معظم أجزاء العالم. انفتحت بلاد العالم بعضها على بعض (باستثمارات قليلة للغاية أشهرها كوريا الشمالية)، واقترن ذلك بتضاؤل دور الدولة وانسحابها أكثر فأكثر من التدخل فى أحوال الاقتصاد والمجتمع، فأصبح ما يجرى فى كل دولة يعبر أكثر فأكثر عن مصالح الشركات متعددة الجنسية: أين تريد أن تستثمر؟ وفى أى الأسواق تريد أن تبيع؟ ومن ثم أين ترتفع معدلات التشغيل وتنخفض البطالة، وأى المنتجات يزيد إنتاجها واستهلاكها وأيها يختفى من الأسواق؟

قامت وسائل الإعلام (وخاصة التليفزيون) بدور مهم فى خدمة هذه الشركات، بما فى ذلك تشكيل أذواق المستهلكين وتطويعهم. وقد شهدت مصر فى الأربعين عاما الماضية انتشارا سريعا لاستهلاك التليفزيون ساعد عليه نمو ظاهرة الهجرة للخليج، فأصبح هذا الجهاز جزءا أساسيا من الأثاث حتى فى بيوت محدودى الدخل. ومع نمو الشركات العملاقة ودورها فى تشكيل الأذواق وتحديد مستويات الاستهلاك والاستثمار ضعف دور الدولة، وكاد يختفى ما كان يسمى (التخطيط القومي)، وحل محله التخطيط الذى تقوم به هذه الشركات لتحقيق أقصى ربح. كان هذا التطور (حلول دور الشركات العملاقة محل دور الدولة فى تشكيل الاقتصاد) جزءا مما يسمى ظاهرة «العولمة» التى اكتسحت جزءا بعد آخر من العالم منذ أوائل السبعينيات، ومن ثم أصبح التساؤل عن المستقبل الاقتصادى لبلد ما يحتاج للإجابة عنه إلى معرفة ما يجرى فى العالم ككل أكثر مما يحتاج إلى معرفة الظروف الداخلية لكل دولة، وهو تطور قد يشيع قدرا لا يستهان به من الشعور بقلة الحيلة. كان قد راودنا الأمل فى فترة ما فى أن نستطيع أن نزيد من قدرتنا على مواجهة العالم الواسع بضم جهودنا بتحقيق الوحدة بين عدد من الدول الصغيرة، ولكن اكتشفنا أن هذه الشركات العملاقة كانت أسرع منا فأقامت العراقيل فى طريق هذه القصة إلا إذا اتخذت أشكالا ترضاها وتحقق مصالحها.

نقلا عن الاهرام القاهرية

GMT 01:13 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

التوافق ينتصر للسودان .. والمعركة مستمرة

GMT 01:12 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

مصر الفيدرالية

GMT 01:06 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

فاتورة الحرب.. مدفوعة مقدمًا!

GMT 05:30 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

مشاكل ترامب أمام القضاء الأميركي

GMT 05:29 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

من مفكرة الأسبوع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الاقتصاد المصرى فى الخمسين عاما الأخيرة الاقتصاد المصرى فى الخمسين عاما الأخيرة



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 12:48 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على تاريخ مصر القديمة في مجال الأزياء والموضة

GMT 03:59 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة في حادث الاعتداء على هشام جنينه

GMT 10:53 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

العلماء يحذرون عشاق "شاي الأكياس" من المخاطر الصحية

GMT 15:26 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

ميلان يضع خُطة لإعادة تأهيل أندريا كونتي

GMT 09:19 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

وصول جثمان إبراهيم نافع إلى مطار القاهرة من الإمارات

GMT 08:13 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

التغذية غير الصحية كلمة السر في الشعور بالخمول

GMT 09:09 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

طارق السيد ينصح مجلس إدارة الزمالك بالابتعاد عن الكرة

GMT 00:47 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

أمن الإسماعيلية يرحب باستضافة المصري في الكونفدرالية

GMT 18:22 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

القدر أنقذ ميسي من اللعب في الدرجة الثانية

GMT 09:28 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

عرض فيلم "نساء صغيرات" في الإسكندرية
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon