توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

جلال أمين.. ودور المثقف فى المجتمع

  مصر اليوم -

جلال أمين ودور المثقف فى المجتمع

بقلم : زياد بهاء الدين

منذ سنوات ــ أظن عام ١٩٩٦ ــ أتيحت لى فرصة حضور محاضرة ألقاها فى جامعة «كمبريدج» أستاذ الأدب المقارن والكاتب الفلسطينى الراحل «ادوارد سعيد» عن تحليله المعروف عن ثقافة الاستعمار. وأتذكر أن أحد الحاضرين سأله فى نهاية كلمته عن دور المثقف فى المجتمع، فكانت إجابته، بعد تفكير، أن المثقف المستقل هو الذى يعمل على فتح مساحات نقدية جديدة. وقد أعجبنى الوصف وقتها وفهمت أن ما قصده أن مهمة المثقف ليست الدعوة لقضية أو لتيار أو لحزب، فهذا شان أهل السياسة. المثقف المستقل هو الذى يتحدى الأفكار السائدة ويختبرها ويخضعها للتحليل والنقد بغرض تشجيع التفكير الحر وإطلاق طاقات الإبداع وتحرير الناس من سطوة الرؤى الاحادية والجمود الفكرى الذى تفرضه السلطة والمؤسسات المهيمنة على الفكر والبحث والإعلام.

تذكرت هذا الوصف وأنا اقرأ وأتابع خلال الايام القليلة الماضية كلمات الرثاء والتقدير لأستاذى الراحل الدكتور جلال أمين. فقد وصفه المعلقون من قرائه وتلاميذه تارة بأنه كان قوميا عروبيا، وتارة أخرى بأنه كان يساريا مجددا، وبأنه كان أستاذا لامعا فى الجامعة الامريكية، وفنانا وأديبا، وكاتبا ساخرا، وراصدا ومحللا للتغيرات الاجتماعية، ومحرضا على التغيير وعلى التحرر الاقتصادى، وكلها أوصاف حقيقية ويعبر كل منها ليس فقط عن جانب من حياته وشخصيته وإنما أيضا عن مراحل مختلفة فى رحلته الفكرية والمهنية.

ولكن فى تقديرى أن الدكتور جلال أمين كان، وقبل كل شىءآخر، مثقفا مستقلا من النوع الذى وصفه «ادوارد سعيد»، تحمس بالتأكيد لأفكار وقضايا سياسية على نحو ما عبرت عنه كتاباته المبكرة عن الاشتراكية وانحيازه للتيار العروبى بعد عودته من دراسته الجامعية ببريطانيا، ولكنه مع الوقت اتجه لتوجيه طاقته الفكرية الهائلة وثقافته الواسعة وقدرته التحليلية إلى نقد المستقر من الأفكار والشعارات وانارة سبل وزوايا جديدة فى التفكير، ليس بغرض التشكيك فقط أو الهدم فى حد ذاته، بل لكى يساهم فى تحرير العقول وتجديد الافكار ومن ثم البناء والتقدم. ولأنه كان مستقلا بالمعنى الحقيقى، وأقصد بذلك مستقلا ليس فقط عن السلطة الحاكمة بل عن سطوة أى أفكار مسبقة، فلم يسلم من نقده لا الحكومات المتعاقبة ولا الأحزاب والتيارات التى عارضتها، بل لم تسلم أفكاره هو شخصيا من الحالة النقدية المستمرة التى كان يثيرها، ولذلك كانت لديه شجاعة مراجعة أفكاره ومواقفه وإخضاعها لذات آليات النقد والهدم وإعادة البناء التى تعامل بها مع الآخرين. 

شخصيا كانت بداية معرفتى به عن طريق صداقته لوالدى فى نهاية السبعينيات حينما جمعتهما تجربة الاقامة والعمل فى الكويت فى الوقت الذى كانت فيه عاصمة للثقافة العربية المهاجرة بعد سقوط بيروت تحت وطأة الانقسام والحرب الأهلية. وكان الدكتور جلال أمين اقتصاديا لامعا فى الصندوق العربى للتنمية وكاتبا منتظما فى مجلة «العربى» التى رأس تحريرها آنذاك الأستاذ «أحمد بهاء الدين». ولكن المعرفة عن طريق الآخرين غير التعامل المباشر، ولهذا فلم أقترب من الدكتور جلال وأتعرف عليه حقيقة إلا حينما التحقت بدراسة الاقتصاد بالجامعة الامريكية فى مطلع الثمانينيات، فصرت واحدا من المئات الذين تتلمذوا على يديه. وقد تميزت تجربة الدكتور جلال الجامعية الفريدة فى تقديرى بسمتين، الاولى أنه كان ناجحا فى جذب الطلاب والباحثين من كل الاتجاهات، فكان يساريا مجددا ولكن كثيرا ممن خرجوا عن اتجاهه الفكرى وصاروا من نجوم العمل الرأسمالى الخاص اعتبروه أستاذا لهم ظلوا على ولائهم وتقديرهم له. أما السمة الثانية فهى أنه لم يكن مجرد أستاذا لعلم الاقتصاد بل كان معلما للتاريخ والاجتماع والفن ومنتقدا للاقتصاد التقليدى ولأدواته ومناهجه التى اعتبرها قاصرة ومنحازة. 

وقد استمرت علاقتى به بعد ذلك لسنوات طويلة، وكان من مؤسسى «جمعية أصدقاء أحمد بهاء الدين» الثقافية وعضوا بمجلس ادارتها ومشاركا فى لجان تحكيم جوائزها الثقافية، فكان المتقدمون للجائزة يرتعدون من مناقشته لهم وانتقاده لأبحاثهم ولكن يخرجون من المناقشة مبهورين ومعجبين وفخورين بما فعله بهم. أما لقائى الأخير به فكان منذ أشهر قليلة فى منزل الدكتور «احمد جلال» لحضور مناقشة كتاب «أحاديث برقاش» للاستاذ «عبدالله السناوى» عن لقاءاته وحواراته مع الأستاذ الراحل «محمد حسنين هيكل». وكالعادة لم يسلم الكاتب ولا الكتاب ولا موضوعه ولا الضيوف من نقد الدكتور جلال أمين وحرصه المستمر، حتى بعد أن تقدم به العمر، على أن يستثير الحاضرين وينتقد ما يجمعون عليه ويتحدى البديهيات ويطرح أسئلة أكثر مما يقدم من أجوبة.

رحم الله الدكتور جلال أمين، الكاتب والاقتصادى والأستاذ الجامعى والسياسى والمفكر، والمثقف الوطنى المستقل الذى ساهم فى تعليم الأجيال وتحرير العقول ونشر بذرة التفكير الحر التى لا شك ستنبت وتثمر ولو بعد حين.

 

نقلا عن الشروق القاهرية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

 

GMT 01:13 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

التوافق ينتصر للسودان .. والمعركة مستمرة

GMT 01:12 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

مصر الفيدرالية

GMT 01:06 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

فاتورة الحرب.. مدفوعة مقدمًا!

GMT 05:30 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

مشاكل ترامب أمام القضاء الأميركي

GMT 05:29 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

من مفكرة الأسبوع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

جلال أمين ودور المثقف فى المجتمع جلال أمين ودور المثقف فى المجتمع



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 02:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى
  مصر اليوم - أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى

GMT 03:37 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - رفض دعاوى بي إن القطرية ضد عربسات بشأن بي أوت

GMT 12:48 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على تاريخ مصر القديمة في مجال الأزياء والموضة

GMT 03:59 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة في حادث الاعتداء على هشام جنينه

GMT 10:53 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

العلماء يحذرون عشاق "شاي الأكياس" من المخاطر الصحية

GMT 15:26 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

ميلان يضع خُطة لإعادة تأهيل أندريا كونتي

GMT 09:19 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

وصول جثمان إبراهيم نافع إلى مطار القاهرة من الإمارات

GMT 08:13 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

التغذية غير الصحية كلمة السر في الشعور بالخمول

GMT 09:09 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

طارق السيد ينصح مجلس إدارة الزمالك بالابتعاد عن الكرة

GMT 00:47 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

أمن الإسماعيلية يرحب باستضافة المصري في الكونفدرالية

GMT 18:22 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

القدر أنقذ ميسي من اللعب في الدرجة الثانية

GMT 09:28 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

عرض فيلم "نساء صغيرات" في الإسكندرية

GMT 12:20 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

طلائع الجيش يبحث عن مهاجم سوبر فى دوري المظاليم

GMT 15:09 2019 الإثنين ,03 حزيران / يونيو

فان ديك يحصد لقب أفضل لاعب بنهائي دوري الأبطال

GMT 15:15 2019 الأربعاء ,03 إبريل / نيسان

مشروع "كلمة" للترجمة يصدر "كوكب في حصاة"

GMT 20:20 2019 السبت ,09 شباط / فبراير

صدور رواية "الطفلة سوريا" لعز الدين الدوماني
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2025 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2025 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon