توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

السيطرة على الثقافة ليست مهمة الدولة

  مصر اليوم -

السيطرة على الثقافة ليست مهمة الدولة

بقلم - زياد بهاء الدين

فاجأنى قرار رئيس مجلس الوزراء الصادر من أيام قليلة بشأن تنظيم الحفلات والمهرجانات كما فاجأ الكثيرين، ليس لأنه الأشد تأثيرا وتضييقا على حرية الرأى والتعبير، بل لأنه يعبر عن رغبة فى السيطرة على الثقافة والفن والابداع بأسلوب لا ينتمى للعصر الذى نعيشه وبشكل بالغ الضرر بالثقافة المصرية.
باختصار فإن القرار الأخير ــ رقم ١٢٣٨ لسنة ٢٠١٨ ــ يمنع تنظيم المهرجانات والحفلات والفاعليات الفنية والثقافية إلا بعد الحصول على ترخيص من وزارة الثقافة. وهذا فى حد ذاته حكم غريب لأن مصطلح «فاعليات ثقافية» شديد الاتساع وبالتالى لا يقتصر على المناسبات الكبرى التى يحضرها الآلاف وقد تحتاج لرقابة وتنظيم، بل يشمل كل نشاط ثقافى، الكبير منه والصغير، بمقابل وبالمجان، الحكومى والخاص، الموسيقى والسينمائى والتشكيلى والأدبى، وسواء كان فى قاعة أو نادٍ أو نقابة.
وقد نص القرار على تشكيل لجنة عليا للمهرجانات برئاسة وزيرة الثقافة وعضوية ثمانى وزارات بجانب رؤساء النقابات الفنية والأدبية، تختص بدراسة طلبات إقامة المهرجانات والحفلات، ووضع أجندة سنوية لها، والتنسيق مع المحافظين كى لا ينعقد أى مهرجان أو احتفال خارج هذا التنظيم.
ثم نص القرار بعد ذلك على مجموعة من الضوابط التى تحكم سيطرة الدولة على النشاط الثقافى، فنجد أن على الجهة الراغبة فى عقد مهرجان أو احتفال تقديم طلبها خلال شهر يونيو فقط من كل عام، وأن الطلب يجب أن يتضمن أسماء كل المدعوين، وأن الجمعيات الأهلية لا يجوز لها إقامة حفل إلا إن كان لها «نشاط ملموس لخدمة المجتمع فى مجال تخصص المهرجان أو الاحتفال»، أما الشركات فيجب أن يكون ٥١٪؜ على الأقل من رأسمالها مملوكا لمصريين، وأخيرا فقد نص القرار على ضرورة مراعاة «العدالة الثقافية فى توزيع المهرجانات والاحتفالات على محافظات الجمهورية» وعدم إقامة أكثر من مهرجان أو احتفال فى ذات المجال فى نفس المحافظة.
نحن إذن لسنا أمام تنظيم قانونى يستهدف تأمين وحماية المهرجانات والاحتفالات حرصا على سلامة الحاضرين، ولا يستهدف الحد من التهرب الضريبى على النشاط الفنى، ولا حماية حقوق الملكية الفكرية، وكل هذه أهداف طبيعية ومشروعة كان ينبغى أن تعتنى بها الحكومة. نحن أمام سياسة تذهب إلى أبعد من ذلك بكثير لأنها تستهدف السيطرة على النشاط الفنى والثقافى والإبداعى فى حد ذاته، وتتصور أن بالإمكان أن تضع له الدولة خطة سنوية على نحو ما تخطط لبناء الطرق والكبارى والمستشفيات العامة. وهذا كله غير قابل للتحقيق ويضر بالثقافة المصرية لعدة أسباب.
من جهة أولى فإن القرار يعبر، فى الجانب الثقافى هذه المرة، عن التداخل المستمر فى الدوائر الحكومية بين دور الدولة فى إدارة شئونها ودورها فى الاشراف على القطاعين الخاص والأهلى. أن تضع وزارة الثقافة برنامجها السنوى فهذا شأنها، ولكن لم تلزم الشركات الخاصة والجمعيات والنوادى بهذه الخطة المركزية؟ إذا كانت الدولة حينما تنظم انشاء مستشفياتها ومدارسها لا تفرض على القطاع الخاص الالتزام بخطتها السنوية فمن باب أولى ألا تفرض خطتها المركزية الثقافية على باقى المجتمع. وإذا شاءت أن تتدخل بشكل إيجابى فى تنظيم النشاط الثقافى، فلتبدأ بالعناية بمراكزها الثقافية وقصور الثقافة التابعة لها والمحرومة من الموارد والامكانات بدلا من السعى للسيطرة على النشاط الثقافى الخاص والأهلى.
من جهة ثانية فإن القرار الأخير يعبر عن التصور السائد فى الدولة بأن النشاط الثقافى والفنى يحتاج تنظيما وتقييدا وتخطيطا كى يحقق أهدافه، بينما الحقيقة أنه لا يحتاج كى ينمو وينطلق ويرتقى إلا المساندة والحماية والمناخ المشجع على الحرية والابداع، وليس المزيد من السيطرة والتدخل. والغريب أن يأتى هذا القرار فى أعقاب فضيحة تدخل أحد المجالس الإعلامية الجديدة لتقييد حرية الصحافة والتعبير بدلا من الدفاع عنها ثم تدخل النيابة العامة لمنعه من إصدار قرارات بحظر النشر فى سابقة لم تحدث فى مصر من قبل، وتعبر عن النتائج المضطربة التى يمكن أن يؤدى اليها الصراع والتنافس على تقييد الحريات حينما يفتقد لمنطق واضح ولأسس دستورية سليمة.
وأخيرا فإن قرار تنظيم الفاعليات الثقافية مثال على خطأ الاعتقاد بأن القانون واللوائح هم أداة تنظيم كل شىء، وعلى خطورة إطلاق يد من يكتبون مثل هذه القرارات دون تشاور مع الدوائر الأوسع من المهتمين والمعنيين بالتشريع. وما يدفعنى لهذا التعليق أننى واثق أن بين المسئولين فى الحكومة ووزارة الثقافة من سوف يبادرنا بالتأكيد على أن ما تضمنه القرار الأخير من قيود وشروط وضوابط لا يستهدف كل فاعلية وكل مناسبة ثقافية وكل حفل موسيقى، بل مجرد الحفلات والمهرجانات الكبرى التى يحضرها عشرات الآلاف والتى تحتاج دعما من الدولة وتنظيما وتنسيقا واشرافا. ولكن مثل هذه التوضيحات والمبررات، لو صدرت، لن تكون مطمئنة لأن النص القانونى واضح والصياغة تحتمل التوسع وصدور القرار بهذا الشكل غير المنضبط يجعله سيفا على رقاب من يفكر فى إقامة نشاط ثقافى أو فنى.
نصيحتى للدكتورة وزيرة الثقافة، ولا أشك انها حريصة على تشجيع الثقافة والفن والابداع، أن تطلب إلغاء هذا القرار واستبداله إذا شاءت بقرار يقتصر على تنظيم المهرجانات التى تقيمها أو تدعمها الدولة، دون التدخل فى النشاط الثقافى والفنى الحر، لأن محاولات السيطرة على الثقافة لن تؤدى إلا للنتيجة الحتمية التى نعانى منها بالفعل: المزيد من تدهور المستوى الفنى والثقافى، والمزيد من سطوة الفن الردىء، والمزيد من ضياع مكانتنا الثقافية فى العالم العربى و«القوة الناعمة» لمصر.

نقلا عن المصري اليوم الفاهرية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

GMT 01:13 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

التوافق ينتصر للسودان .. والمعركة مستمرة

GMT 01:12 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

مصر الفيدرالية

GMT 01:06 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

فاتورة الحرب.. مدفوعة مقدمًا!

GMT 05:30 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

مشاكل ترامب أمام القضاء الأميركي

GMT 05:29 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

من مفكرة الأسبوع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السيطرة على الثقافة ليست مهمة الدولة السيطرة على الثقافة ليست مهمة الدولة



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 02:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى
  مصر اليوم - أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى

GMT 03:37 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - رفض دعاوى بي إن القطرية ضد عربسات بشأن بي أوت

GMT 12:48 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على تاريخ مصر القديمة في مجال الأزياء والموضة

GMT 03:59 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة في حادث الاعتداء على هشام جنينه

GMT 10:53 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

العلماء يحذرون عشاق "شاي الأكياس" من المخاطر الصحية

GMT 15:26 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

ميلان يضع خُطة لإعادة تأهيل أندريا كونتي

GMT 09:19 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

وصول جثمان إبراهيم نافع إلى مطار القاهرة من الإمارات

GMT 08:13 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

التغذية غير الصحية كلمة السر في الشعور بالخمول

GMT 09:09 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

طارق السيد ينصح مجلس إدارة الزمالك بالابتعاد عن الكرة

GMT 00:47 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

أمن الإسماعيلية يرحب باستضافة المصري في الكونفدرالية

GMT 18:22 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

القدر أنقذ ميسي من اللعب في الدرجة الثانية

GMT 09:28 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

عرض فيلم "نساء صغيرات" في الإسكندرية

GMT 12:20 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

طلائع الجيش يبحث عن مهاجم سوبر فى دوري المظاليم

GMT 15:09 2019 الإثنين ,03 حزيران / يونيو

فان ديك يحصد لقب أفضل لاعب بنهائي دوري الأبطال

GMT 15:15 2019 الأربعاء ,03 إبريل / نيسان

مشروع "كلمة" للترجمة يصدر "كوكب في حصاة"

GMT 20:20 2019 السبت ,09 شباط / فبراير

صدور رواية "الطفلة سوريا" لعز الدين الدوماني
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2025 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2025 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon