توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

العدالة أم القانون لمهربى بورسعيد؟

  مصر اليوم -

العدالة أم القانون لمهربى بورسعيد

بقلم-زياد بهاء الدين

من وقت لآخر يطرأ على المشهد العام موضوع يبدو فى أصله بسيطا وعابرا ولكن يتحول، بسبب رد فعل الناس له وانتشاره على صفحات التواصل الاجتماعى، إلى قضية رأى عام ساخنة تفتح جدلا واسعا وتحرك المياه الراكدة وتدفع المجتمع لإعادة النظر فى الأفكار السائدة والقيم المستقرة.

من هذا النوع كان الحوار التليفزيونى الذى أجرته الأسبوع الماضى مذيعة على قناة تليفزيونية محلية لم يتبين لى اسمها مع مجموعة من الفتيان المهربين للملابس والبضائع من مدينة بورسعيد. ولكن بدلا من أن تحقق المذيعة هدفها باستدعاء مشاعر الإدانة والازدراء تجاه هؤلاء المجرمين الصغار وإقناعنا بأنهم متقاعسون عن البحث عن أعمال شريفة متوافرة من حولهم، إذا بها تنجح، بسبب حالة الجهل والصلف والتعالى التى أجرت بها الحوار، فى إثارة التعاطف معهم والغضب على مثل هذا التناول الإعلامى الهزيل بل والانتقاد للسياسات الحكومية العاجزة عن التعامل مع مشاكل المجتمع.

عاصفة التعليق والجدل التى أثارها الحوار التليفزيونى تناولت الموضوع من مختلف جوانبه الإنسانية والاجتماعية والسياسية ولذلك فاسمحوا لى بتجاوز التفاصيل والتأمل قليلا فيما كشفت عنه هذه الواقعة من حاجة ماسة فى مجتمعنا لمناقشة قضية العدالة فى حد ذاتها، مفهومها وأهميتها وأدواتها، وضرورة التفرقة بينها وبين مفهوم النظام القانونى.

النظام القانونى هو ما يشرعه البرلمان من نصوص ملزمة وما تصدره السلطة التنفيذية من قرارات ادارية وما تقرره المحاكم من أحكام واجبة النفاذ. أما العدالة فمفهوم اخلاقى وقيمى يستهدف تحقيق التوازن السليم فى المجتمع بين الحقوق والالتزامات لكل الأطراف حيال بعضها البعض: الدولة والمواطن، الزوج والزوجة، البائع والمشترى، الجانى والمجنى عليه، الشعب والأجيال القادمة، الملكية الخاصة والعامة، الانتاج والحفاظ على البيئة، وغير ذلك من المصالح المتقابلة. وكلما كانت هذه التوازنات منطقية ومتزنة وناتجة عن تفاعل مؤسسى سليم وديمقراطى وتشاركى، كلما كان المجتمع متمتعا بالسلم الاجتماعى والاستقرار الحقيقى.

ولأن القانون والعدالة مفهومان مختلفان، الاول واقعى والثانى قيمى، فليس غريبا أن يكون هناك قانون ظالم أو حكم قضائى غير عادل. والفجوة بينهما هى ما يجعل الجدل القانونى والدستورى مطلوبا فى كل مجتمع ومصدرا للتقدم والترقى لأنه الوسيلة الوحيدة للتحقق من أن القانون ليس بعيدا عن العدالة، بل قريبا منها وساعيا لها ولو لم يبلغها. والقول الشائع بأن الحكم عنوان الحقيقة لا يعنى أن الحكم القضائى بالضرورة عادل وإنما أنه لأسباب عملية وواقعية يجب أن يتمتع بمرجعية مطلقة فى تحديد الحقوق والواجبات والاوضاع القانونية دون أن يعنى ذلك أنه يعبر عن العدالة. ولهذا فإن الحكم القضائى يكون جديرا بالإلغاء أو المراجعة من محكمة الدرجة الاعلى ليس حينما يكون غير عادل بل عندما يخالف تطبيق أو تفسير القانون. وبسبب هذا التناقض المستمر فإن القاضى ذا الضمير اليقظ، حينما يجد نفسه أمام حالة صارخة يتعارض فيها القانون مع العدالة، يبحث عن مخرج إجرائى أو تفسير مبتكر أو نص قانونى مهمل أو حكم سابق يرجح به العدالة على التطبيق التقليدى للقانون ولكن دون أن يسمح لنفسه بمخالفته بشكل صريح.

هذه القضايا الشائكة كلها ظهرت على السطح بمناسبة الحوار التلفزيونى مع مهربى بورسعيد. الذين طالبوا بتطبيق القانون عليهم استندوا إلى انهم لم ينكروا الجرائم التى ارتكبوها، ولم يدعوا جهلا بالقانون، والتصرف الذى قاموا به جريمة واضحة المعالم، واحترام القانون يعنى إحالتهم للنيابة ثم القضاء ليقرر عقوبتهم. اما من انحازوا لهم وطالبوا بالعفو عنهم فقد اعتبروا أن العدالة تقتضى أخذ صعوبة الوضع الاقتصادى الراهن فى الاعتبار، وندرة فرص العمل البديلة، وغرابة ان تتصالح الدولة وتعفو عن عتاة المجرمين والمتهربين من أداء رسوم جمركية وضرائب تبلغ آلاف الأضعاف مما حققه فتيان بورسعيد ثم تنزل عليهم بكامل مطرقة القانون. والمقابلة هنا تعبير واضح عن الصراع بين مفهوم القانون ومفهوم العدالة.

لا أعلم كيف تنتهى قضية مهربى بورسعيد الشبان ولكن أتمنى أن تكون هذه مناسبة للتأمل والتفكير وفتح حوار ضرورى حول مستقبل الفانون والعدالة فى مصر.

نقلا عن الشروق
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

 

GMT 01:13 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

التوافق ينتصر للسودان .. والمعركة مستمرة

GMT 01:12 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

مصر الفيدرالية

GMT 01:06 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

فاتورة الحرب.. مدفوعة مقدمًا!

GMT 05:30 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

مشاكل ترامب أمام القضاء الأميركي

GMT 05:29 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

من مفكرة الأسبوع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العدالة أم القانون لمهربى بورسعيد العدالة أم القانون لمهربى بورسعيد



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 02:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى
  مصر اليوم - أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى

GMT 03:37 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - رفض دعاوى بي إن القطرية ضد عربسات بشأن بي أوت

GMT 12:48 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على تاريخ مصر القديمة في مجال الأزياء والموضة

GMT 03:59 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة في حادث الاعتداء على هشام جنينه

GMT 10:53 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

العلماء يحذرون عشاق "شاي الأكياس" من المخاطر الصحية

GMT 15:26 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

ميلان يضع خُطة لإعادة تأهيل أندريا كونتي

GMT 09:19 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

وصول جثمان إبراهيم نافع إلى مطار القاهرة من الإمارات

GMT 08:13 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

التغذية غير الصحية كلمة السر في الشعور بالخمول

GMT 09:09 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

طارق السيد ينصح مجلس إدارة الزمالك بالابتعاد عن الكرة

GMT 00:47 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

أمن الإسماعيلية يرحب باستضافة المصري في الكونفدرالية

GMT 18:22 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

القدر أنقذ ميسي من اللعب في الدرجة الثانية

GMT 09:28 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

عرض فيلم "نساء صغيرات" في الإسكندرية

GMT 12:20 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

طلائع الجيش يبحث عن مهاجم سوبر فى دوري المظاليم

GMT 15:09 2019 الإثنين ,03 حزيران / يونيو

فان ديك يحصد لقب أفضل لاعب بنهائي دوري الأبطال

GMT 15:15 2019 الأربعاء ,03 إبريل / نيسان

مشروع "كلمة" للترجمة يصدر "كوكب في حصاة"

GMT 20:20 2019 السبت ,09 شباط / فبراير

صدور رواية "الطفلة سوريا" لعز الدين الدوماني
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2025 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2025 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon