كان من ملامح السنوات القليلة الماضية انتشار ما يعرف بوسائل التواصل الاجتماعى. وفى رأيى، إنها مفيدة للغاية؛ فقد قصرت المسافات، وقربت الناس البعيدة من بعضها البعض، غير أنها ساهمت فى خلق عزلة بين البشر القريبين وبعضهم البعض.
ويعتبر استخدام صفحات التواصل الاجتماعى جميلاً فى كل مكان، إلا فى مصر؛ لأن هناك من يستعمل هذه الصفحات بشكل خاطئ لإطلاق الشائعات أو النيل من رموزنا الحاليين والسابقين، حتى إنه، فى رأيهم، لم يعد هناك أى شىء جميل فى مصر الآن.
وآخر ما يشاع على صفحات التواصل ما يلى: «جمال عبدالناصر أهدى لإسبانيا عام 1968 معبدا فرعونيا كاملا وهو معبد «ديبود»، والذى كان فى النوبة فتم تفكيكه ونقله وإعادة تركيبه فى مدريد. الغريب فى فعلة ناصر أنه لم يتنازل فقط عن تحفة معمارية وتاريخية تعتبر من الآثار القليلة جدا فى العالم التى امتزج فيها التاريخ الفرعونى والنوبى والإغريقى والرومانى. إذ بنى المعبد على يد الكوشيين (مملكة النوبة والأسرة 25 من الفراعنة) ووسع فى عهد بطلميوس السادس والثامن والثانى عشر (العصر البطلمى من الملوك الإغريق) وزين أثناء حكم الإمبراطوريين الرومانيين أغسطس وتيبريوس. جريمة عبدالناصر تجاوزت ذلك إذ فرط فيما لا يملكه هو ولا حتى الشعب فى عهده، فذلك من ممتلكات المصريين فى كل العصور لا يستطيع جيل أن يتنازل عنها. انبهرت خلاص! أحب أعرفك كمان إن عبدالناصر وزع 5 معابد كاملة كانت فى النوبة على أصحابه بالإضافة إلى ديبود، أهدى لهولندا معبدا كاملا فى عام 1960 ولأمريكا معبد دندور سنة 1963، ولإيطاليا معبد الليسيه فى 1966 أما ألمانيا فكان نصيبها نصف معبد كلابشة عام 1970».
وهنا انتهى الكلام المكتوب الخاص بذلك الشخص غير العادل على إحدى صفحات التواصل الاجتماعى.
وأود أن أوضح أن الرئيس الراحل جمال عبدالناصر برىء تمامًا مما كتبه هذا الشخص غير المنصف لهذا الزعيم التاريخى. أما الحكاية، فقد بدأت عام 1959 عندما قاد الراحل العظيم د. ثروت عكاشة، وزير ثقافة مصر آنذاك، فكرة إنقاذ معابد النوبة قبل أن تغرق بعد اكتمال بناء السد العالى. واستطاع أن يقنع الرئيس جمال عبدالناصر بالفكرة وأن هناك ضرورة لمشاركة المجتمع الدولى فى هذا الإنقاذ. واستطاعت مصر أن تقنع منظمة اليونسكو العالمية بتبنى مشروع إنقاذ معابد النوبة.
ومن هذا المنطلق التاريخى الحاسم فى ذلك الوقت، أطلق الرئيس جمال عبدالناصر مقولته الشهيرة «إن آثار مصر لا تخص مصر فقط، بل تخص العالم كله». واستمرت اللجان تبحث الطرق الخاصة بالإنقاذ فى عام 1963. ولم تقتصر عملية الإنقاذ على معابد أبوسمبل فقط، بل شملت معابد النوبة كلها. وقد استطاعت مصر بقيادة الدكتور ثروت عكاشة أن تجعل كل الدول تشارك فى عملية الإنقاذ. وقد ساهمت الولايات المتحدة بأكبر مبلغ فى ذلك الوقت وهو 50 مليون دولار. وشاركت أيضًا إيطاليا وإسبانيا وهولندا وغيرها من الدول؛ ولذلك أقول لولا تعاون هذه الدول لكانت هذه المعابد كلها غارقة تحت مياه بحيرة ناصر.
وبدأت عمليات الإنقاذ بإشراف اليونسكو وكان هذا التعاون الدولى إشارة إلى أن العالم كله قد عرف أهمية الآثار المصرية. وكان يوم 22 سبتمبر عام 1968 من أهم الأيام فى تاريخ آثار مصر حيث تم الاحتفال بإنقاذ الآثار المصرية بفضل تعاون المجتمع الدولى. وقد وجدت اليونسكو ووزارة الثقافة أن هناك ضرورة لشكر هذه الدول على مساهمتها الكبيرة فى ذلك الإنقاذ؛ لذلك وافقت الحكومة المصرية على إهداء هذه الدول أجزاءً صغيرة من معابد صارت سفراء لمصر فى مدن هذه الدول المهمة.
وعلى الرغم من أننى ضد إهداء أية آثار لأى بلد أجنبى، فإن ما تم فى ذلك الوقت كان ضرورة لأن آثار النوبة كانت مهددة بالغرق تحت مياه بحيرة ناصر وكنا فى وقت لم نكن نملك فيه أى إمكانيات مادية لإنقاذ تمثال واحد من هذه الآثار، ولولا مساهمات المجتمع الدولى لكانت دموع كل المصريين تتحسر إلى الآن على ضياع كل هذه الكنوز الفريدة التى لا تقدر بثمن.
فهل بعد ذلك نظلم عبدالناصر، كما ظلمنا أغلب رؤساء مصر؟! ومازال البعض على صفحات التواصل الاجتماعى يظلم الرئيس عبدالفتاح السيسى، الذى لولا سيادته لكانت مصر تعيش فى بحر من الظلمات لا يعلم أحد غير الله سبحانه وتعالى متى كنا سوف نخرج منها.
وفى النهاية، أؤكد على أن ما يشيعه البعض ضد رموزنا وآثارنا عن عدم معرفة وإدراك غير مقبول جملة وتفصيلاً. إن ما يحدث من ظلم لمن خدم مصر ووضع مصر على خريطة التراث وإنقاذه حرام، ومن غير المقبول أن يتم تضليل الأجيال من المصريين التى لا تعرف حقيقة ما قام به جيل الآباء كى تصل إلينا آثارنا الغالية فى أفضل الأوضاع من حيث البقاء والحفظ.
وانتهز هذه الفرصة كى أرسل تحية لكل لمن ساهم فى مشروع إنقاذ آثار النوبة من المصريين، وغيرهم، وعلى رأسهم الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، ووزير ثقافته العظيم الدكتور ثروت عكاشة، والأثرى الكبير وأستاذ الأجيال أستاذنا الدكتور محمد جمال الدين مختار.
نقلًا عن المصري اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع