زاهي حواس
شاهدت مسرحية «بعد الليل» وبصحبتى الفنان العالمى عمر الشريف والكاتب الكبير عادل حمودة؛ ولابد هنا من تهنئة المخرج الشاب خالد جلال على هذا العمل المتميز من كل النواحى؛ والذى أثبت من خلاله أن لديه أفكارا ورؤية غير عادية فى توظيف وجوه شابة ليس لديها خبرات تمثيلية لكى تصبح نجوم المستقبل. أعرف خالد جلال ليس فقط من خلال (قهوة سادة) ولكن منذ أن أسندت إليه إخراج حفل العيد السنوى للأثريين؛ وذلك على مدار سنوات ثلاث متتالية؛ استطاع فيها أن يوظف أفكارة الجديدة ليخرج لنا صورا مسرحية ممتعة؛ أشاد بها الأجانب والمصريون.
يضم «بعد الليل» أكثر من ثلاثين ممثلا هاويا معظمهم لم يقف على خشبة المسرح من قبل؛ لكنهم كانوا يؤدون بشكل احترافى ممتع يصل إلى مرتبة العالمية فى التعامل مع نص مسرحى ذكى يسمح بالارتجال دون الخروج عن النص والمضمون.. وليس من الممكن ذكر ممثل أو ممثلة بعينها؛ فكل واحد منهم كان نجماً فى الأداء والحضور؛ واستطاعت «بعد الليل» أن تعيدنا إلى زمن المسرح الجميل، وتبعث الأمل من جديد فى أن مصر، ومن خلال جيل الشباب الموهوب، يمكن أن تعيد الأسرة المصرية إلى زيارة المسارح مرة أخرى والاستمتاع بالفن الراقى.
تعالج «بعد الليل» خلطة من المشكلات الاجتماعية التى يعانى منها المجتمع المصرى، وذلك من خلال معالجة كوميدية راقية تناولت موضوعات التطرف والمغالاة والفساد الأخلاقى وانتشار التحرش وعدم معاقبة الذئاب البشرية، بل خلق الأعذار لهم؛ وتأثير الميديا ووسائل الانفصال (وليس التواصل) الاجتماعى على المشاعر والأحاسيس الجميلة، مما كان موجوداً فى الزمن الجميل. كذلك تناولت «بعد الليل» قسوة الحالة الاقتصادية من خلال موظف بسيط يقوم وزوجته بتوزيع الراتب الهزيل على متطلبات الحياة الضرورية، وبالتالى لا مكان لأساسيات تصبح نوعا من الرفاهية فى ظل الضغط الاقتصادى الطاحن للطبقة المتوسطة من المجتمع.
أعجبت بموضوع الإشاعة؛ وكيف أنها تبدأ بخبر صغير تتلقفه وسائل الإعلام وتضخمه بعد كثير من التحابيش والبهارات لزوم الإثارة والافتعال فتصبح الإشاعة أكبر من الحقيقة! وحالياً تحولت الإشاعة إلى أداة حرب يستخدمها المتطرفون والإرهابيون فى تدمير المجتمعات ذاتياً؛ وإحداث الفرقة بين الناس وتشكيكهم فى كل شىء من حولهم، والنتيجة الحتمية إذا لم نواجه هؤلاء المخربين هى نشأة جيل يفتقد الانتماء. وتنتهى المسرحية بمشهد عبقرى لمصور يوجه الكاميرا إلى المجتمع المصرى فيجد المصريين وكأنهم اتفقوا على شىء واحد وهو تشويه مصر، وتحويل الحياة إلى غابة من الحقد والشر؛ فيعود إلى الماضى ليرى الأدب فى طه حسين ودعاء الكروان؛ والغناء فى كوكب الشرق أم كلثوم وعبدالحليم حافظ والقرارات السياسية عند عبدالناصر وتأميم القناة؛ وانتصار أكتوبر مع السادات؛ والكوميديا عند فؤاد المهندس وشويكار؛ والكرة عند محمد لطيف؛ والإغراء عند هند رستم.
ينتهى العرض ويصفق الجمهور المتأثر بالعمل؛ ولكن وفى تلك الليلة كان هناك شىء مختلف وهو حضور عمر الشريف للعرض؛ وقد استقبله الجمهور والممثلون بحفاوة تليق به، ولأول مرة رأيت وعادل حمودة دموع عمر تنهمر من كل هذا الحب والوفاء.