بقلم : مصطفى فحص
في تاريخ الثامن من يوليو (تموز) الحالي أفادت صفحة موقع «جبلة وكالة إخبارية» على «فيسبوك» المؤيدة لنظام الأسد، التي تغطي أخبار الساحل السوري أو ما يعرف بالمناطق العلوية، بأن وزارة الأوقاف السورية قررت إغلاق الثانويات الشرعية التي تدرس مذهب أهل البيت في عدة مناطق وهي «مدرسة عين شقاق، ورأس العين، والقرداحة، وكرسانا، واسطامو، والثانوية المركزية»، وقد بررت الوزارة قرارها بأن هذه المدارس والثانويات التي تم إغلاقها لم تحصل على تراخيص من الجهات المختصة، وهي غير مسجلة في الأوقاف، وتعمل بطريقة غير شرعية.
يعود انتشار المدارس التي تدرس المذهب الجعفري في مناطق العلويين إلى ما بعد سنة 2011، عندما أصدر رأس نظام البعث بشار الأسد في الأول من يناير (كانون الثاني) مرسوماً بتأسيس معهد الشام العالي لعلوم الشريعة واللغة العربية والدراسات الإسلامية الذي يتكون من 3 فروع (مجمع الفتح الإسلامي، ومجمع الشيخ أحمد كفتارو، ومجمع السيدة رقية)، وقد حصل معهد السيدة رقية على دعم كبير من وجهاء الطائفة العلوية ومثقفيها، بداية ظناً منهم أن هذا المعهد سيشكل جسراً يعزز الروابط الإيمانية والفكرية بين العرفان العلوي والفقه الشيعي، إلا أن العلويين الذين رحبوا بالوجود الإيراني في مناطقهم، فوجئوا بأنه تجاوز فكرة حماية مناطقهم من التهديدات الأمنية والعسكرية، بعد أن تسللوا إلى داخل النسيج الاجتماعي لدى العلويين، واستغلوا حضورهم الكبير مادياً وعسكرياً ودعوياً، بهدف نشر التشيع، ولتنفيذ مشروعهم قاموا ببناء مسجد الرسول الأعظم في اللاذقية، ومن ثم افتتحوا فرعاً لمعهد السيدة رقية ومقره داخل بناء المسجد، وهذا الفرع غير قانوني أيضاً، وأوكلت إمامة المسجد وإدارة المعهد إلى رجل دين راديكالي درس في الحوزة العلمية في قم، يعاونه في المهمة مجموعة من رجال الدين الذين يغلب عليهم الطابع الفقهي الراديكالي الجامد، الذي يصعب عليه تقبل أو التعايش مع فكرة العرفان أو فلسفة التصوف عند العلويين، التي تشكل جزءاً أساسياً من عقائدهم، وقد اختار الإيرانيون لهذه المهمة رجال دين شيعة من سوريا ولبنان والعراق، وحتى بعض المغاربة المتشيعين، رافضين حتى التعاون مع رجال الدين العلويين، حتى الذين درسوا في الحوزات والجامعات الإيرانية، وقد أدى قرار استبعاد العلويين إلى ردة فعل سلبية بين الأوساط العلوية المؤثرة، التي عبرت علناً عن هواجسها جراء عملية التهميش الممنهج التي تنفذها جماعات إيرانية اختارت التعامل مع وجوه غير معروفة مهمشة اجتماعياً، ومن دون أي تأثير، وفي الأغلب استغل الإيرانيون رغبة هؤلاء في النفوذ، فتم توفير الإمكانيات لهم، وذلك في إطار المواجهة التي لم تعد خفية بين دعاة تشيع العلويين والنخب العلوية الاجتماعية والثقافية المتمسكة بالتراث العرفاني للعلويين وتناضل من أجل حماية خصوصياتها، وقد جاء القرار الإيراني باستبعاد هذه النخب عن مراكز القرار العلمي والإداري في هذه المؤسسات تدبيراً عقابياً لها على موقفها العقائدي، الأمر الذي مكن القيمين على إدارة مسجد الرسول الأعظم من فتح ثانويات شرعية غير مرخصة في المدن والقرى العلوية، والعمل بشكل غير مباشر للاستيلاء على مساجد العلويين وتعيين خطبائها، الأمر الذي فتح الأبواب أمام حركة الاستبصار التي أدت إلى حدوث شرخ اجتماعي وعقائدي داخل المجتمع العلوي من خلال آليات تصنيف اجتماعية وعقائدية جديدة، حيث بات الفرز بين علوي ومستبصر.
تمكن الإيراني في بداية الأحداث عندما كان لوحده في موقع المدافع عسكرياً عن النظام من استثمار خوف العلويين وقلقهم الوجودي، فلجأ إلى استغلال العواطف الدينية التي يزداد تأثيرها في زمن الأزمات، من أجل تمرير مشروعه التوسعي حتى يضمن لنفسه إقامة طويلة الأمد في مناطقهم، وفي التزامن مع وجوده العسكري والريعي عمل على تكوين شريحة علوية تكون مخلصة له عقائدياً، فاندفع في فكرة تشييع العلويين ودعوتهم إلى اعتناق المذهب الجعفري، الأمر الذي شهد رفضاً علوياً برز أكثر مع دخول الروس القوي في الحرب السورية ولعبهم دور الحامي الأول للأقليات، وخصوصاً العلويين الذين استغلوا الروس، من أجل الابتعاد التدريجي عن المشروع الإيراني الذي تجاوز السياسة والاستراتيجية وبدأ يتدخل في شؤونهم الخاصة.
فشلت طهران جراء استعانتها براديكاليين يصعب عليهم فهم المجتمع العلوي نشأة وصيرورة، على الرغم من أنهم تيار عرفاني فلسفي منشؤه وتكوينه في تاريخ الإمامية، هذا الفشل هو العلامة الأبرز الآن في مستقبل علاقتها مع العلويين الذين فشلوا في فك ارتباطهم مع النظام، فدفعوا تكلفة عالية تتجاوز 155 ألف قتيل معظمهم من الشباب، وهم في أغلب الظن على قناعة أنهم سيدفعون مستقبلاً ثمن ما ورطتهم فيه إيران وجعلتهم معادين لمحيطهم كما فعلت بغيرهم من الفرق الشيعية.