نهاد أبو القمصان
شهد المجتمع المصرى انتشاراً للتيارات الأصولية «الإخوان والسلفيين وغيرهم» بدعم مباشر من نظام مبارك ليستخدمهم كفزاعة للغرب فى الخارج والمثقفين والطبقة الوسطى فى الداخل بادعاء أنهم البديل، واعتقاداً خاطئاً منه أنهم يمكن السيطرة الأمنية عليهم، كما وجدت هذه التيارات دعماً غير مباشر لبسط نفوذها وهو الفقر وانهيار التعليم فضلاً على أمية قطاع عريض سواء من المتعلمين أو الأميين لقواعد اللغة العربية التى كُتب بها التراث الإسلامى، وأصول الفقه فضلاً عن الإرهاب الفكرى الذى مورس على المثقفين والناس لمنعهم من أى اجتهاد مثلما حدث مع المفكر «نصر حامد أبوزيد».
للأسف انفردت هذه التيارات بعقول المصريين وقدموا تفسيراً انتقائياً للدين وللتراث الإسلامى فانتقوا منه ما يدعم رؤيتهم ومصالحهم وحجبوا ما لا يدعمها، كما تم الخلط بين الدين وعادات الصحراء ما قبل الإسلام وقدموا تصوراً متخلفاً لأنماط الحياة وأدوار الرجال والنساء فيها تدور حول تصوير الرجل كماكينة جنسية بحاجة لأكثر من امرأة، والمرأة كقطعة لحم رخيص يجب تغطيتها، ونشروا قيم التواكل والتسول من خلال مفاهيم جمع وتوزيع المال تحت مسميات ممتدة من التراث الإسلامى. واستعباد الناس فى صفوف الحاجة إما إلى الخدمة أو إلى مغفرة الرب، ولم يسلم الأزهر الشريف من معركة السيطرة، حيث تعرض للعديد من المؤامرات ومحاولات السيطرة ليتحول من منبر لنشر الإسلام وتحديث رؤاه فى العالم إلى بوق للدين العجيب الذى يدعون له.
وتعد التيارات الأصولية من أهم المشكلات التى تواجه الدولة المصرية الآن والدين الإسلامى نفسه بتفسيرات وآراء بلغت من انحرافها إلى تشويه الدين الإسلامى وإظهاره ديناً عنيفاً يحض على الإرهاب الجسدى والفكرى وقهر الفئات المختلفة فى الدين أو الفكر واستحلال النساء والأطفال.
ونظراً للعلاقة الوجودية بين هذه التيارات ونظام مبارك فقد تم توزيع الأدوار، عمل الإخوان بالسياسية والعمل الاجتماعى، وعمل السلفيون بما يسمونه الدعوة، وتحت ضغوط الأمن كانت أصواتهم خافتة لكنها تعمل باستراتيجية «نقطة المياه» وهى العمل بهدوء وبطريقة منظمة ومستمرة لتتوغل وتضرب فى الجدران وتهدم أركان الدولة الكافرة من وجهة نظرهم وتقيم الدولة «السلفوسالامية».
تماماً مثلما تترك نقطة مياه تنزل من صنبور فى مكان غير مرئى فى المنزل لفترة، كلما مررت عليها لا تلفت انتباهك لكنها تتسرب بهدوء وانتظام فى جدران المنزل، قد تلحظ بقعة رطوبة هنا أو هناك لكن لا تعيرها أى اهتمام إلى أن ينهار المنزل.
بعد الثورة أصبح الخطاب علنياً، شديد السطحية والتعالى، مما صدم قطاعات عديد من المصريين، ومع هزيمة الإخوان حاول التيار السلفى تطوير خطابه السياسى لكن الخطاب الدعوى دائماً ما يكشف زيف الاعتقاد بالتغيير، خطاب عجيب ليس له علاقة بالدين الإسلامى من قريب أو بعيد، بل مقبل من عصر ما قبل البشرية، منه ما قاله المهندس ياسر برهامى حينما تحدث عن ترك الرجل زوجته للمغتصبين، حاولت أن أجتهد فى معرفة مرجعية هذا الرأى، فى الحقيقة لم أجد مرجعاً إسلامياً؛ فحديث الرسول (صلى الله عليه وسلم) واضح «من مات دون عرضه فهو شهيد»، هل فى تراث البشرية هذا الرأى المغاير للفطرة التى فطر الله عليها البشر وباقى المخلوقات؟، فحتى الحيوانات تدخل معارك ضارية للدفاع عن أنثاها.
هذا تبشير بشىء جديد، يجب أن نطلق عليه «الديانة البرهامية» حتى نوضح لشبابنا الذين على وشك الخروج من الإسلام الفرق بينها وبين الإسلام، وهنا يجب على مؤسسات الدولة أن تقرر ما الذى يجب فعله تجاه هذا الدين الجديد.
"الوطن"