توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

وإذا كلَّمنا أنفسنا

  مصر اليوم -

وإذا كلَّمنا أنفسنا

عمرو الشوبكي


مع كل مشكلة تواجهنا مع سياسى غربى أو شرقى، أو مع تصرف مخالف لتوجهاتنا أو صادم لثقافتنا وقيمنا يخرج منا كثير من ردود الأفعال الكاشفة لعمق أزمتنا وعجزنا عن التواصل مع العالم والتأثير فيه وتحويل الاشتباك مع من نختلف معهم إلى نقطة فى صالحنا أو خطوة تدفعنا إلى الأمام وتحسّن من صورتنا ومن وزننا النسبى.

وللأسف فى كل مرة يحدث فيها خلاف مع نظام سياسى أو مع كاتب عالمى أو مؤسسة أجنبية يكون رد فعل كثير منا كارثياً بكل معنى الكلمة، وتتحول بعض ردود الفعل السياسية والشعبية إلى عامل يخصم من رصيدنا رغم أنه فى العادة يكون رد الفعل الشعبى والسياسى فى النظم الديمقراطية أكثر انفتاحاً وتسامحاً من رد فعل الدولة والحكومات إلا عندنا يحدث العكس.

وإذا أخذنا موضوع الخلاف المصرى- التركى بسبب مواقف أردوجان التى صارت جزءاً من خطاب الإخوان، سنجد أن وزارة الخارجية المصرية بعد فترة تردد، وبعد بيان أول هزيل، أصدرت بياناً ثانياً قوياً ومحترماً اشتبكت فيه مع مقولات أردوجان السياسية واعتبرته غير مؤهل لكى يكون راعى الديمقراطية فى العالم العربى بعد أن بقى فى السلطة 12 عاماً، وغيَّر الدستور ليبقى رئيساً للجمهورية 10 سنوات أخرى (نحن أمام رئيس يتحول إلى مبارك تركى وليس راعياً للديمقراطية)، ولم يحمل البيان المصرى أى إساءة للشعب التركى ولم يتحدث عن قطع العلاقات السياسية والاقتصادية (لأنها تخص الشعبين وليس الحكومتين)، وكان قوياً ومشرفاً رغم حدته، وعرف الحدود الفاصلة بين الاشتباك والإساءة.

فى حين جاءت بعض التصريحات التى وصفت بـ«الشعبية والسياسية» شديدة السلبية والاندفاع، وحملت خفة غير مسبوقة واستهانة بعمق العلاقات الاقتصادية بين البلدين وحجم الاستثمارات التركية فى مصر، فطالبت بقطع العلاقات الاقتصادية والسياسية بين البلدين، لتُحول الخلاف السياسى مع أردوجان إلى قطيعة بين شعبين، ونقلت الخلاف السياسى المتغير إلى المجتمع، وكأن الشعوب بتنوعها واختلافاتها يجب أن تختزل فى حكامها وزعمائها كما كان يحدث فى عهود الاستبداد والنظم المنقرضة.

وتواكب مع الهتاف ضد تركيا صراخ آخر حول الموضوع الأزلى المتعلق بالرسوم المسيئة للرسول الكريم، والتى قادتها أو بدأتها الدنمارك منذ 4 سنوات وعادت وكررتها منذ 4 أيام صحيفة فرنسية هابطة (شارلى إيبدو)، التى نشرت صوراً مكررة مسيئة للرسول، وخرجت ردود فعل هستيرية تطالب بقطع العلاقات مع فرنسا ومقاطعتها اقتصادياً وسياسياً، ومنع سفنها من المرور فى قناة السويس، وقد يكون هذا النوع من ردود الفعل مفهوماً إذا كان هناك تيار رئيسى داخل المجتمع والنخبة يشتبك بشكل عقلانى مع هذا النوع من القضايا، وهناك فى الهامش هلوسة وصراخ.

وإذا تصورنا أننا أقوياء وقادرون على إسقاط الاقتصاديات الغربية بمقاطعتها، فهل يعقل أن نمارس هذا التعميم على بلد بكامله لمجرد أن هناك صحيفة أو مسؤولاً أخطأ فى حقنا؟ ألسنا نحن أكثر شعوب الدنيا مطالبة للغرب بألا يعمم فى حكمه علينا، وألا يعتبر كل المسلمين إرهابيين لأن هناك قلة نادرة منهم منحرفين ويمارسون الإرهاب؟ أليس فى تعميمنا هذا على المجتمعات الغربية نفعل عكس ما نطالبهم بأن يفعلوه معنا؟

والحقيقة أن «التجربة الدنماركية» والطبعة الفرنسية الجديدة فى التعامل مع الرسومات المسيئة للرسول الكريم عكستا مشكلتين أساسيتين: الأولى تتعلق بوجود نظرة استعلائية غربية دفعت كثيراً من السياسيين إلى رفض الاعتذار، ولو بصورة شخصية، عن الإساءة لمشاعر ملايين من المسلمين تجاه هذه الرسوم، وينظرون إليهم باعتبارهم قوماً «متخلفين» ومشاريع إرهابيين لا يستحقون الاعتذار أو العمل الجاد من أجل مراعاة مشاعرهم.

والمشكلة الثانية تتعلق بقناعة حقيقية لدى الجزء الأكبر من النخب الأوروبية بأن حرية الرأى والتعبير لا يجب أن تقيد بعدم التهجم على الأديان والذات الإلهية والأنبياء، وكثيراً ما تضمنت بعض الصحف تهكماً على السيد المسيح وعلى السيدة مريم، وخرجت بعض الأفلام لتمسهما معاً، وتثير استهجان المؤمنين فى العالم كله، وظلت هذه القضايا فى إطار الشد والجذب بين التيار العلمانى المسيطر على الإطار الثقافى فى الغرب، وبين المتدينين الموجودين على هامش النخبة السياسية والثقافية فى البلاد، الذين لم يستطيعوا إصدار قوانين قاطعة من شأنها منع المس بالأديان نقداً أو تهكماً كما هو حادث فى البلدان العربية والإسلامية.

وظلت المفارقة أن الغرب تقبَّل بسعة صدر المساس بالمقدس الدينى بشكل عام، مسيحياً وإسلامياً، فى حين رفض المساس بـ«مقدس مدنى» خاص بالمحرقة اليهودية أى «الهولوكوست»، وصار من المحرمات على أى باحث أو كاتب أن يناقش الوزن الحقيقى لتلك الجرائم طوال الحرب العالمية الثانية، بالقول مثلا إنها جزء من جرائم شهدها العالم كله أثناء الحرب وليست الجريمة الوحيدة.

وإذا كنا نمتلك إرادة وقدرة فى أن نتكلم مع الآخرين وليس فقط مع أنفسنا لأصبح حق الأقلية فى الاحتجاج والرفض ومقاطعة البضائع الفرنسية (لن يحدث) كما فعلوا مع البضائع الدنماركية (ولم يحدث)، تواكب معه اشتباك علمى وسياسى مع الغرب يقوم على فكرة مبسطة تقول «وسّعوا قليلاً دائرة (المحرمات القانونية)، لتشمل رفض المساس بالأديان وبالأنبياء وبالذات الإلهية».

والحقيقة، أن هذا العمل يحتاج إلى جهود ناس لم يحترفوا فقط الحديث عن أنفسهم إنما إلى جهد قانونى وسياسى كبير يشتبك مع كثير من المفاهيم الثقافية الراسخة فى الغرب، وصار من البدهى والمنطقى أن يقوم هذا الجهد على احترام متبادل لخصوصية كل ثقافة، وعلى احترام الجانب العربى لعلمانية الغرب ولخصوصية خبرته الحضارية ومشروع نهضته، وأن يحترم الغرب فى المقابل الخصوصية الحضارية والثقافية للشرق الإسلامى والصينى والأرثوذكسى بالبحث عن القاسم الإنسانى المشترك، بتقنين معايير قانونية جديدة تنص على احترام المعتقدات الدينية وعدم التهكم على المقدسات والأنبياء.

أما الخلاف مع أمريكا فهو أيضاً نموذج لا يدرس فى كيفية إدارة علاقات مجتمعية بين الدول، فهناك منذ 30 يونيو مطالبات بقطع العلاقات مع أمريكا والتحالف مع روسيا بدل أمريكا، خاصة فى ظل هجوم كثير من الصحف الأمريكية ومراكز الأبحاث على الأوضاع السياسية فى مصر.

ولعل ما نشرته افتتاحية «نيويورك تايمز» مؤخراً (راجع المقال المهم للدكتور محمد أبوالغار فى «المصرى اليوم» الثلاثاء الماضى حول هذا الموضوع)، وانتقد بشدة الأوضاع الداخلية فى مصر، يكشف أنه لا يوجد أى حوار بين الصحافة الأمريكية وأى صحيفة مصرية وطنية من أى نوع.

ولعلنا نتذكر أن أكبر عدد من رؤساء تحرير الصحف المصرية ذهب لتغطية رحلة الرئيس مؤخراً إلى أمريكا، ولم يكن هناك صحفى واحد قادر على إجراء لقاء أو حوار مع رئيس تحرير أو حتى صحفى أمريكى واحد، ولأننا اعتدنا أن نكلم أنفسنا، وفى حال إذا شرد «واحد مننا» وقرر أن يتحاور مع الأمريكان فإنه على الأرجح سيُتهم بأن له أجندات وعميل، وسيتناسى هؤلاء أن مصر عرفت منذ 40 عاماً صحفيين وكتاباً مثل محمد حسنين هيكل ومحمد سيد أحمد وأحمد بهاء الدين ولطفى الخولى وغيرهم الذين أداروا حواراً مع كبار صحفيى وسياسيى العالم ووضعوا مصر فى دائرة التأثير والتأثر بما يجرى حولها.

المؤكد أن عزلتنا الفكرية والثقافية طوال ما يقرب من 40 عاماً وإصرارنا على أن نكلم أنفسنا ونتحف العالم بردود أفعال تثير سخريته ولا تؤثر فيه، أنستنا أن التفاعل النقدى مع المنظومة العالمية يستلزم مهارات وكوادر وتعليماً، وقبلها إرادة سياسية لديها خيال ورؤية إصلاحية فى السياسة كما الاقتصاد تراهن على الكفاءات والطاقات المبدعة، وهى كلها أمور مازالت غير مطروحة حتى على جدول الأعمال، وسندفع كل يوم ثمن غيابها طالما ظللنا نكلم أنفسنا فى القضايا التى تخص العالم.

 

GMT 05:50 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

هل لديك الشجاعة؟!

GMT 05:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

الأدوات السياسية

GMT 05:46 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

كيف نتصدى لإيران في الخليج؟

GMT 05:31 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"الممر"

GMT 05:28 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

عيون وآذان (إسرائيل تتآمر على ما بقي من فلسطين)

GMT 02:12 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

«صاحبة الجلالة» ليست دائماً بريئة!

GMT 02:05 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرجيلة «حزب الله» وجمر إيران!

GMT 01:46 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

شرعية الإنجاز

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

وإذا كلَّمنا أنفسنا وإذا كلَّمنا أنفسنا



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 12:48 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على تاريخ مصر القديمة في مجال الأزياء والموضة

GMT 03:59 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة في حادث الاعتداء على هشام جنينه

GMT 10:53 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

العلماء يحذرون عشاق "شاي الأكياس" من المخاطر الصحية

GMT 15:26 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

ميلان يضع خُطة لإعادة تأهيل أندريا كونتي

GMT 09:19 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

وصول جثمان إبراهيم نافع إلى مطار القاهرة من الإمارات

GMT 08:13 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

التغذية غير الصحية كلمة السر في الشعور بالخمول

GMT 09:09 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

طارق السيد ينصح مجلس إدارة الزمالك بالابتعاد عن الكرة

GMT 00:47 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

أمن الإسماعيلية يرحب باستضافة المصري في الكونفدرالية

GMT 18:22 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

القدر أنقذ ميسي من اللعب في الدرجة الثانية

GMT 09:28 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

عرض فيلم "نساء صغيرات" في الإسكندرية
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon