عمرو الشوبكي
كعادة الأستاذة فاطمة حافظ فى رسائلها وتعليقاتها، التى اعتادت من وقت لآخر إرسالها لى، وتصلح جميعها مقالات رأى مهمة، جاءنى منها هذا التعليق على مقال الأربعاء الماضى «الخيار الأمنى»، وتضمن ما يلى:
نحن فعلا فى مأزق، فالمشكلة التى نواجهها ليست مع عدو خارجى حتى نصطف جميعاً ضده ونقاتله وينتهى الأمر بوجوب التعبئة والكفاح، إنما المعضلة هى أن من نواجهه مصرى حتى ولو كان بالجنسية فقط وليس بالولاء الفعلى. ولذلك ترى تضارب الآراء واختلافها وتخوين كل فريق للفريق الآخر وهكذا.
أرى أن الدولة سوف تضطر إلى عمل هدنة مع الإخوان إن عاجلاً أو آجلاً بسبب أنها لن تستطيع فعلياً القضاء على كل أنصار هذا التيار والمتعاطفين معه.
وحتى لا يهاجمنى البعض بأننى طابور خامس وخلافه فأنا أؤكد أن هذا ليس رأيا ولا اقتراحا، إنما هو محاولة لقراءة المستقبل ولذلك أريد فقط النصح لمن سيكون بيده الأمر آنذاك.
ولنتذكر معاً التسعينيات حيث كنت مازلت صغيرة ولكنى أتذكر وقتها كره الناس واستنكارهم للفكر المتطرف حيث كانت المواجهات مع الأمن على أشدها والتفجيرات والعمليات الإرهابية ضد السياح ومحاولات الاغتيال... إلخ، كل ذلك حدث فعلاً فى التسعينيات ولم يختلف أحد على وجوب مقاومة أصحاب هذا الفكر، وكان المصريون صفاً واحداً حتى جاءت الهدنة المعروفة «بالمراجعات» التى تراجع فيها المتطرفون «ظاهرياً» عن العنف والتى نامت على إثرها الدولة فى سبات عميق واكتفت بتلجيم هذه القوى عن طريق الأمن أو الصفقات.
فالإسلاميون لم يعتبروا الهدنة نهاية الطريق بل فقط نقطة للمواصلة ولكن بطرق أخرى، وأثبتت هذه نجاحاً كبيراً بالفعل. فغالبية الشعب المعتدلة الكارهة للتطرف بدأت تدريجياً تتأثر «بالناس بتوع ربنا» التى انتشرت محاضراتهم على شرائط كاسيت فى البداية ثم على قنوات الفضائيات لاحقاً وبدأ تدريجياً تغيراً ملحوظاً فى سلوك وعادات المصريين. فبعد أن كان المصريون يطربون لسماع القرآن من شيوخهم محمد رفعت وعبدالباسط عبدالصمد وغيرهما من المقرئين المصريين، بدأت شرائط المقرئين الخليجيين فى الانتشار فى مصر. وبعد أن كانت المرأة المصرية حتى البسيطة تهتم بملبسها ومظهرها، بدأ الحجاب بالانتشار. حتى الرجال لم يسلموا من هذه التغيرات فحتى من لم يلبس جلباباً أو يطلق ذقنه فإنه اكتفى بتغيير الدبلة الذهب بأخرى فضة حتى لا تكون طوقاً من نار حوله يوم القيامة. حتى السلام والمواساة تغيرت واستُبدلت من صباح الخير ومساء الخير بالسلام عليكم، والبقية فى حياتك التى كانت مجرد جملة للمواساة البريئة أصبحت حراماً.
لم يكن هذا التغير بسيطاً أو هيناً، إنما كان تفرقة كاملة وملحوظة بين أبناء الوطن الواحد، فهذا مسيحى لأنه يلبس دبلة ذهب وهذه غير متدينة لأنها غير ملتزمة بالحجاب، وهكذا أصبحت الأرضية «مفروشة» ومجهزة للتيار الإسلامى.
وبدلاً من تدارك الدولة الموقف أخذت فى المزايدة على هذا التيار فى وسائل الإعلام الحكومية ولم تقف للدفاع عن الكتاب الشجعان المتنورين الذين واجهوا وحدهم بكل بسالة هذا الهجوم التتارى من أمثال شهيد الوطن فرج فودة ونصر حامد أبوزيد وغيرهما وأنا للأسف أرى بوادر حالية للمزايدة الدينية أيضاً حيث بدأ الكلام عن مدى تدين السيسى و«زبيبته» وحفظ أولاده للقرآن.
فأرجو من القادم لحكم هذا البلد عدم الاكتفاء بالحل الأمنى والمزايدة الدينية وبألا يستهين بالثقافة والتعليم والتنوير ووضع الخطط حتى لا يضعها الآخرون ويُغَيِرون فى وعى المصريين فنجد أنفسنا فى مواجهة واقع جديد مغاير تماماً لما ألفناه وتعاملنا معه سابقاً ولكن بعد فوات الأوان.