توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الكلام الفارغ

  مصر اليوم -

الكلام الفارغ

بقلم / عمرو الشوبكي

الصورة الذهنية عن البلد تشكلها سلسلة من الإنجازات أو الأخطاء، والسؤال المطروح علينا يتعلق بما الذى جعل خطابنا الرسمى يعرف هذا القدر من التخبط، وكيف وصلت الحجج الحكومية والخطاب العام- «يسمى مجازا بالسياسى»- إلى هذه الدرجة من التدهور والمفردات الفارغة، التى صارت أحد أسباب الصورة شديدة السلبية التى يحملها العالم عما يجرى فى مصر.

يقيناً أن عجزنا عن منافسة العالم أو مواجهة كثير من تحيزات القوى الكبرى ضدنا، أو فشلنا فى التأثير فى المنظومة العالمية، جعلنا نستريح للكلام الفارغ، وحديث المؤامرة الأهبل، ومجلس إدارة العالم، ولعب الأطفال التى تحولت إلى قوات روسية تضرب داعش، وغيره من خطاب انعدام المهنية والكفاءة، والذى صار فيه الكذب والتجهيل رسالة الكثيرين.

الكلام الفارغ ليس مجرد زلات لسان عابرة، إنما هو نتاج لخواء فكرى وسياسى غير مسبوق انتشر فى الداخل وصدَّرناه للخارج، فمصر حين واجهت الغرب كان دائما لديها مشروع وخط سياسى منسجم مع تحديات العصر، فقد واجهت الاحتلال منذ ثورة 1919 من خلال حزب مدنى ديمقراطى حديث، وهو «الوفد»، له مشروع ورؤية سياسية، وحين أممت قناة السويس فى عهد عبدالناصر وصمدت فى وجه العدوان الثلاثى، كان لديها مشروع وخطاب تحررى واجهت به الاستعمار والاحتلال الأجنبى.

صحيح أن مصر على مدار تاريخها الطويل كان فيها مَن يقولون كلاما فارغا، وكثيرا ما تحدثنا عن المؤامرة الغربية والاستعمارية التى كانت موجودة واقعا معاشا على الأرض، وكان المنطلق التحررى الذى انطلقت منه مواقف معظم دول العالم الثالث فى مواجهة القوى الكبرى له أساس على أرض الواقع، فقد كنا محتلين ومستغَلين بشكل مباشر من الغرب، ولم نكن كما هو الحال الآن أحد مصادر دخلنا الرئيسية هو المنح والقروض الأجنبية.

وقد كان لنا حلفاء وخصوم فى الغرب- «ليس وفق المثل المصرى الشهير كله ضرب ومفيش شتيمة»- فقد خسر عبدالناصر الجانب الأكبر من السلطة الحاكمة فى البلاد الغربية، ولكنه نال دعم قُوى الضمير والقوى التقدمية فى هذه البلاد، التى اعتبرته رمزا تحرريا حقيقيا، بجانب القوى الاشتراكية بقيادة الاتحاد السوفيتى فى ذلك الوقت. فى حين أنه فى عصر الكلام الفارغ لا يوجد أحد راغب فى أن يصدق روايتك فى أى شىء: من الطائرة الروسية حتى مقتل الطالب الإيطالى، بمن فيهم حلفاؤك وأصدقاؤك. فالمؤكد أنه حين تكون لديك مرجعية وطنية ليبرالية عبَّر عنها «الوفد» وأخرى اشتراكية تحررية عبَّر عنها عبدالناصر، فأنت باليقين لديك «فَلَاتِر» فكرية وسياسية تخفف من وطأة الكلام الفارغ الذى يردده بعض الأفراد، ولكن حين يصبح الفراغ الفكرى والتجريف السياسى والأذرع الأمنية هى الإطار الذى نتحرك فى داخله، فهنا يصبح الكلام الفارغ نمط حياة وليس حالات فردية «ولو متكررة» كما كان يحدث فى الماضى.

والحقيقة أننا نسينا أن نسأل أنفسنا الأسئلة البديهية: هل علاقتنا بالغرب تشبه ما كان عليه الحال أثناء فترات الاستعمار والاحتلال المباشر؟ والإجابة بالقطع لا، فنحن دولة تسعى بكل جهدها لجذب الاستثمارات الغربية، والسياحة أحد مصادر دخلها الرئيسية، وتتلقى معونات وقروضا من كل بقاع الدنيا، فنحن نحتاج إلى صيغة سياسية قائمة على «التفاعل النقدى» مع المنظومة العالمية، التى نحن جزء منها ونسعى لتعديل بعض جوانبها بمشروع ورؤية سياسية لا بالكلام الفارغ.

والحقيقة أننا لسنا دولة ممانعة واجهنا أمريكا والغرب، وحُوصِرنا 30 عاما مثلما فعلت إيران وجَنَت فى النهاية ثمار ما دفعته من ثمن فى ثورتها وموقفها من أمريكا والقوى الكبرى، وبالتالى فنحن أقرب لمعظم دول الجنوب التى تقدمت مثل البرازيل وتركيا وماليزيا وجنوب أفريقيا وكوريا وسنغافورة وغيرها، التى بنت مشروعا وطنيا قادرا على التفاعل النقدى مع العالم، دون أن يعتبر نفسه ضحية مؤامرة كونية، فيتفق ويختلف على سياسات واضحة وشفافة، ويساهم فى مسيرة التفاعل الإنسانى، فيبنى صناعات وجامعات ومراكز أبحاث، ويفتح أسواقا ويجذب استثمارات وسياحة.

فى حالتنا اكتفينا بالهتافات اليومية والكلام الفارغ، وربما ما نراه من تخبط وعشوائية وسوء أداء فى تعامل الدولة مع قضية مقتل الطالب الإيطالى ريجينى يدل على حجم التدهور الذى أصابنا- من قصة العصابة التى صَفَّتْها الشرطة، وقيل إنها خطفته وقتلته، ثم عادت «الداخلية» وتراجعت عن هذه الرواية- كل ذلك حتى لا نجيب بشكل مستقيم ومباشر عن اتهام واضح من قِبَل الحكومة الإيطالية بتورط أجهزة الأمن المصرية فى مقتله. القضية ليست أنه باحث أم جاسوس- «لم نقتل الجواسيس التى تعاملوا مع إسرائيل»- ولا أن هناك مؤامرة كونية علينا حتى من إيطاليا شريكنا التجارى الأول فى أوروبا، أو من روسيا- «عقب سقوط طائرتها»- داعمنا السياسى الأول، إنما فى أننا ليست لدينا رؤية ولا مشروع سياسى، فاستسهلنا الكلام الفارغ، وراوغنا فى الاعتراف بفرضية العمل الإرهابى فى الطائرة الروسية، وتخبطنا فى قضية الطالب الإيطالى.

الكلام الفارغ تحول إلى شعار كامل للمرحلة وليس مجرد حالات فردية متكررة، كما جرى فى فترات سابقة، إنما صار خطابا معتمدا، لأنك لم تمتلك مسطرة تقيس بها، وتركت البلد بلا رابط ولا قواعد شفافة تنظمه، ولم نستطع أن ننال احترام الغرب كما فعل مع مَن واجهوه بجدية واحتراف، ولا صداقته ودعمه كما حدث مع المؤيدين والحلفاء، لأننا بكل أسف صرنا أسرى الكلام الفارغ.

GMT 05:50 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

هل لديك الشجاعة؟!

GMT 05:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

الأدوات السياسية

GMT 05:46 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

كيف نتصدى لإيران في الخليج؟

GMT 05:31 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"الممر"

GMT 05:28 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

عيون وآذان (إسرائيل تتآمر على ما بقي من فلسطين)

GMT 02:12 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

«صاحبة الجلالة» ليست دائماً بريئة!

GMT 02:05 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرجيلة «حزب الله» وجمر إيران!

GMT 01:46 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

شرعية الإنجاز

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الكلام الفارغ الكلام الفارغ



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 12:48 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على تاريخ مصر القديمة في مجال الأزياء والموضة

GMT 03:59 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة في حادث الاعتداء على هشام جنينه

GMT 10:53 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

العلماء يحذرون عشاق "شاي الأكياس" من المخاطر الصحية

GMT 15:26 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

ميلان يضع خُطة لإعادة تأهيل أندريا كونتي

GMT 09:19 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

وصول جثمان إبراهيم نافع إلى مطار القاهرة من الإمارات

GMT 08:13 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

التغذية غير الصحية كلمة السر في الشعور بالخمول

GMT 09:09 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

طارق السيد ينصح مجلس إدارة الزمالك بالابتعاد عن الكرة

GMT 00:47 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

أمن الإسماعيلية يرحب باستضافة المصري في الكونفدرالية

GMT 18:22 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

القدر أنقذ ميسي من اللعب في الدرجة الثانية

GMT 09:28 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

عرض فيلم "نساء صغيرات" في الإسكندرية
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon