عمرو الشوبكي
حين يتحدث مجلس الوزراء عن العقوبات الرادعة، أو عن تغليظ العقوبات على المخالفين لقانون المرور، فتعرف أنه يكرر ما قاله أسلافه فى عهد مبارك عقب كل حادثة أو كارثة مرورية، وتأكد أننا سنفشل فشلا ذريعا فى حل مشاكل الطرق والمواصلات والسكك الحديدية، طالما كان الحديث «من فوق» بعيداً عما يجرى على أرض الواقع.
فطالما أن هناك من يتصور أن حل مشكلات الطرق سيكون بحديث العقوبات الرادعة وزيادة الكمائن الشرطية أو بافتتاح الكبارى وشراء قطارات جديدة، فإن هذا يعنى أننا نسير عكس السير وستبقى مشاكلنا كما هى دون أى حل.
تصريحات العقوبات الرادعة هى جوهر أزمتنا، لأن مشكلة مصر لم تكن، فى أى مرحلة، فى تغليظ أو تخفيف العقوبات، إنما كانت دائماً فى تطبيق القانون من الأساس، وأن البحث فى أسباب عدم تطبيق قوانين المرور العادية و«غير الرادعة» هو الذى سيمثل بداية الطريق للخروج من أزماتنا، وسيضع البلاد على الطريق الصحيح، لأنه سيضع أيدينا على جوهر الخلل الذى لن نستطيع مواجهته بالشعارات غير الرادعة.
حوادث الطرق لن تحل بتطبيق عقوبة السجن المشدد ولا حتى الإعدام على المخالفين لقواعد المرور أو من يتعاطون المخدرات أثناء قيادة مركباتهم، إنما فى امتلاك آلية لتطبيق القانون العادى على أرض الواقع.
مصيبتنا أنه تقريباً لا يوجد قانون ولا يوجد شرطى واحد، لظروف كثيرة، قادر على أن يوقف كل السيارات أو «التكاتك» التى تسير عكس الاتجاه على الطريق السريع، (مشهد يؤكد أنك أكيد فى مصر)، ولا مقطورة تحمل أسياخ حديد طولها يتجاوز حمولة العربة، ويكتفى السائق بوضع منديل فى نهايتها، متصوراً أنه بذلك ينبه السيارات الأخرى، كما أن هناك من اعتقد أن لجان فحص رخص القيادة، وأحياناً محاسبة السيارات المسرعة، هى التى ستحل مشكلة حوادث الطرق.
والسؤال: لماذا لم نطبق قانون إلغاء المقطورة المقدم منذ عام 2009، رغم معرفتنا أن هذا النوع من سيارات النقل (الذى غاب تقريباً عن كل بلاد العالم) هو السبب الأول وراء ارتفاع نسبة الحوادث فى مصر، وهى المسؤولة عن كارثة طريق البحيرة الأخيرة؟ والإجابة أن أصحاب هذه السيارات يمثلون جماعة ضغط نجحت فى إفشال تطبيق القانون فى عهد مبارك وحتى الآن.
إن طريق النجاح لأى حكومة أو نظام سياسى لن يكون كما فعل وزير النقل بترديد شعارات الفشل بتغليظ العقوبة والقوانين الرادعة، إنما بمعرفة لماذا لا يطبق القانون العادى على أرض الواقع، وما مشاكل الطرق المصرية، وكيف يمكن أن نضع خطة متكاملة لتنفيذ القانون على أرض الواقع حتى لا يستمر نزيف الطريق وتستمر مصر محتلة المركز الأول فى شىء واحد: ضحايا الطرق.
والحقيقة أن فى العالم كله نظماً سياسية غير مكتمل بناؤها الديمقراطى، إلا أنها نجحت فى تقديم إنجازات اجتماعية واقتصادية وحاربت الفقر (وليس الفقراء كما يحدث فى مصر) والأمية، وبنت نظاما تعليميا وصحيا كفئا وغيرها من الجوانب «غير السياسية» المتعلقة بالكفاءة الإدارية لأى نظام فى الحكم.
كفى تكراراً لخطاب الفشل والحديث عن قوانين وهمية رادعة على طرق غاب عنها أى قوانين، وإذا أردنا مرة أن نكون جادين فعلينا أن نبدأ فى معرفة أسباب عدم تطبيق القوانين العادية من الأصل، وماذا يجرى عملياً على الطرق بعيداً عن هتافات القوانين الرادعة التى كانت دائما علامة فشل وليست نجاحا.