توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الطلب على السياسة

  مصر اليوم -

الطلب على السياسة

عمرو الشوبكي

فى مصر هناك خطاب مسيطر يرى أن السياسة إضاعة للوقت والجهد، وأن السياسيين الذين لم يحكموا تقريبا من أيام حكومات الوفد قبل ثورة يوليو هم سبب مصائب البلد، وأننا فى حاجة لاصطفاف وطنى ومشاريع اقتصادية كبرى لكى تنهض مصر.

والحقيقة أن الترجمة العملية لهذا الخطاب ظهرت فى جُمَل من نوع أن البلد ليس فى حاجة لأحزاب ولا نخب سياسية ولا برلمان «اتركوا الريس يشتغل»، وعودة للجُمَل المباركية الشهيرة: «الرئيس عظيم والمشكلة فيمَن حوله»، أو أن «هناك فارق سرعات بينه وبين وزرائه» (الذين اختارهم)، وأنه كان يتوقع أن رئيس الوزراء «بلدوزر»، ويبدو أنه ليس كذلك.

والمؤكد أن هناك بيئة ساعدت على انتشار هذا الخطاب، ومنها حتماً إحباطات الناس من السياسة والسياسيين، حيث تولّد شعور عميق لدى البعض، بعد فشل كل خيارات ما بعد ثورة 25 يناير، بدءاً من صوت الاحتجاج الذى أثر بعض الوقت فى المشهد السياسى دون أن يمتلك أى قدرة على بناء بديل مقنع للناس، وخلق فى نفس الوقت رأيا عاما واسعا مضادا له انتظر الفرصة لتصفية حساباته معه، وانتهت بعام الإخوان، الذين فشلوا فى الحكم والمعارضة، وحين ثار الشعب عليهم وأسقطهم لم يكن هناك تيار أو حزب سياسى مدنى واحد قوى قادر على حكم البلاد أو تقديم مرشح قادر على المنافسة، وثقةً من الناس فى المؤسسة العسكرية اختاروا مرشحها أو رجل النظام العام وعودة هيبة الدولة وغيرها من المفردات التى راجت نتيجة سنوات الفوضى والخوف من الانهيار.

ولذا كل مَن يتصور أن الجيش يهبط فجأة من كوكب آخر على الحياة السياسية فى مصر منذ ثورة يوليو 52 واهم، لأنه تدخل بعد أن عانى المجتمع من ضعف ووهن، ورأى تعثر الأحزاب والقوى السياسية، وشعر الجميع بوجود أخطار حقيقية تهدد كيان الدولة والمجتمع.

يقينا أن هذه التحولات التى شهدتها مصر مؤخرا كانت سريعة وغير مسبوقة، وعمل البعض على خلق صورة ذهنية تقول إن هذا الفشل ثمن اختيارات الناس، فهم الذين ثاروا على مبارك، وهم الذين اختاروا برلمانا أغلبيته من الإخوان والسلفيين، وهم الذين انتخب 51% منهم محمد مرسى رئيسا للبلاد، وكاد يُضَيِّع مصر ويهدم الدولة، وبالتالى لم تنجز الديمقراطية التى أُعطيت للناس إلا خيارات سيئة وأخطاراً كادت تعصف بالبلاد.

يقيناً هذه الرواية لها أنصار عابرة لكل الطبقات، (مدهش أن كثيرا من الفئات الشعبية ترددها)، وأوصلت قطاعات من المجتمع والنخبة الحاكمة إلى أن تقول: «لسنا فى حاجة للبرلمان، ولسنا فى حاجة لأحزاب، ومازال أمامنا طريق طويل حتى يصبح عندنا شعب مؤهل للديمقراطية»، وهى جملة رئيس وزراء مصر السابق أحمد نظيف الخالدة، والتى تتوارثها نظم مصر المختلفة، وصارت الدولة تحكم بشكل مباشر دون أى شراكة مع أى كيانات سياسية من أى نوع، كما جرى فى عهدى عبدالناصر والسادات، بل حتى جزئياً فى عهد مبارك حين كانت السياسة والأمن حاضرين بدرجات مختلفة، على عكس الآن حين أصبحت الأجهزة الأمنية طرفا وحيدا فى كل معادلات السياسة والاقتصاد فى مصر، بحجة أن الناس لا تعرف وغير قادرة على الاختيار الحر، وأنه حين أُتيحت لها فرصة الاختيار بعد 25 يناير كادت تُضَيِّع البلد.

نعم، ضعف الطلب على السياسة ليس فقط بسبب النظام غير السياسى، إنما بسبب أخطاء السياسيين وثقافة الإقصاء غير المسبوقة التى شهدتها مصر بعد ثورة يناير، حتى دارت الدوائر وشملت الكل، فالثوار أقصوا الجميع، والإخوان أقصوا «بالدستور» قيادات الحزب الوطنى ليس لأنهم فاسدون إنما لأنهم كانوا منافسين أقوياء، وجاء الحكم الجديد ليُقصيهم جميعا وكل مَن «نظروا» للإقصاء تحت دوافع مختلفة.

صحيح أن البعض يؤكد أن سبب الضعف السياسى والمجتمعى يرجع إلى رؤساء مصر الذين جاءوا من خلفيات عسكرية، فقد أضعفوا المجتمع، وهَمَّشوا من دور الأحزاب، وهو صحيح يقينا طوال عهد مبارك ولم يتغير فى عهد السيسى، على خلاف عصر عبدالناصر، الذى يحاول البعض استنساخه فى زمن لا علاقة له بعصر عبدالناصر. فالرجل كان ابن عصر عرف السياسة فى داخل التنظيم الواحد، وداخل الفكر الاشتراكى والتحررى الصاعد مثله مثل معظم تجارب التحرر الوطنى فى ذلك الوقت، ولذا لم يكن غريبا أن تكون نخبة مصر مضيئة وملهمة، وضمت أهم الكتاب والأدباء والسياسيين والفنانين الذين عرفتهم البلاد على مدار تاريخها الطويل، لأن ارتباطهم لم يكن أساساً بسلطة، إنما بمشروع سياسى «ابن عصره»، فى حين أن الخطاب الرسمى الحالى اتسم بالفقر والضعف بصورة جعلته خارج سياق أى عصر، ولن يستقطب إلا ما نشاهده الآن على شاشات بعض الفضائيات دون حسيب أو رقيب.

يقيناً نحن لسنا فى عصر التحرر الوطنى بمفرداته الاشتراكية والتقدمية، ولا فى عصر الوفد المدنى الليبرالى، وبالتالى يجب على الناس ألا تتصور أن خطاب التخوين والشتائم والاستباحة هو نتيجة جهل الشعب أو أن «الجمهور عاوز كده»، إنما هو نتاج طبيعى للخطاب الرسمى السائد. الطلب على السياسة لن يعود إلا إذا ظهرت بادرة أمل تقول إن هناك قوى جديدة إصلاحية لديها برنامج ورؤية وسياسات بديلة، ولا تأخذ شماعة النظام حجة لكى لا تراجع نفسها وتعترف بأخطائها، فيقيناً ضعف الطلب على السياسة يرجع لوجود نظام غير سياسى، ولكن هذا النظام كان مستحيلاً أن يصل للحكم إلا فى ظل وجود بيئة تعثر- حتى لا نقول «فشل»- سياسى سهَّلت من مهمته ووصوله للسلطة.

GMT 05:50 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

هل لديك الشجاعة؟!

GMT 05:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

الأدوات السياسية

GMT 05:46 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

كيف نتصدى لإيران في الخليج؟

GMT 05:31 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"الممر"

GMT 05:28 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

عيون وآذان (إسرائيل تتآمر على ما بقي من فلسطين)

GMT 02:12 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

«صاحبة الجلالة» ليست دائماً بريئة!

GMT 02:05 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرجيلة «حزب الله» وجمر إيران!

GMT 01:46 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

شرعية الإنجاز

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الطلب على السياسة الطلب على السياسة



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 12:48 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على تاريخ مصر القديمة في مجال الأزياء والموضة

GMT 03:59 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة في حادث الاعتداء على هشام جنينه

GMT 10:53 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

العلماء يحذرون عشاق "شاي الأكياس" من المخاطر الصحية

GMT 15:26 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

ميلان يضع خُطة لإعادة تأهيل أندريا كونتي

GMT 09:19 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

وصول جثمان إبراهيم نافع إلى مطار القاهرة من الإمارات

GMT 08:13 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

التغذية غير الصحية كلمة السر في الشعور بالخمول

GMT 09:09 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

طارق السيد ينصح مجلس إدارة الزمالك بالابتعاد عن الكرة

GMT 00:47 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

أمن الإسماعيلية يرحب باستضافة المصري في الكونفدرالية

GMT 18:22 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

القدر أنقذ ميسي من اللعب في الدرجة الثانية

GMT 09:28 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

عرض فيلم "نساء صغيرات" في الإسكندرية
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon