توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الصراعات المخفية

  مصر اليوم -

الصراعات المخفية

عمرو الشوبكي

فى كل مجتمع هناك صراعات سياسية وهناك مصالح اقتصادية متعارضة، وقوى اجتماعية تتحالف فى مواجهة قوى أخرى، ولم يعد هناك مكان لنظريات الاصطفاف الوطنى إلا فى عهود مواجهة الاستعمار أو محاربة أخطار كبرى كالإرهاب.

ورغم وجود هذه الأخطار فإنها لم تلغ التباينات الموجودة داخل المجتمع ولا مسؤولية النظام السياسى عن وضع قواعد لتنظيمها ووضعها داخل الإطار السلمى والديمقراطى من خلال دولة القانون.

وحين كانت مصر ترزح تحت وطأة الاحتلال وتحارب الاستعمار لم تكن كلها لونا واحدا ولا حتى فكرا واحدا، وعرفت قبل ثورة يوليو تنوعا فى أحزابها وأساليب مواجهتها للاحتلال، وبعد ثورة يوليو واجهت الاستعمار بنظام سياسى (ابن عصره) قائم على التنظيم السياسى الواحد الذى امتلك مشروعا سياسيا تقدميا واشتراكيا فى مواجهة مشاريع أخرى محافظة ورجعية.

ورغم أن عبدالناصر انتصر بمشروعه السياسى وشعبيته الجارفة على مشاريع خصومه السياسيين من الإخوان والليبراليين، فإن انكساره والهجوم الكاسح على تجربته جاء بعد وصول الرئيس السادات للسلطة وانقلابه على توجهات عبدالناصر رغم انتمائهما لتنظيم واحد هو الضباط الأحرار.

وهنا نحتاج إلى توقف أمام أول نمط «للصراع المخفى» فى مصر منذ ثورة يوليو، أى بين اثنين من نفس البيت والمنظومة، فحين كان عبدالناصر رئيسا للجمهورية كان السادات وزيرا ورئيسا لمحكمة الشعب ورئيسا لمجلس الأمة ونائبا للرئيس، وظل السادات مؤيدا لعبدالناصر طوال حياته، ثم عبر عقب وفاته عن اختلافه مع توجهاته، وأسس عملياً تجربة سياسية تكاد تكون مناقضة لتجربة عبدالناصر.

والقضية هنا ليست فى صحة توجه ناصر أو السادات، فكلاهما يمثل جانبا من التفكير السياسى داخل العالم العربى، إنما فى فشل نظام يوليو فى بناء نظام سياسى يحول هذا النمط المستتر والخفى من صراعات القصور إلى نمط علنى وشرعى من خلال دولة القانون.

فعبدالناصر لم يبن نظاما سياسيا يساريا يقبل بوجود تيارات يمينية معارضة، بما يعنى أنه كان يمكن للرئيس السادات ومن يفكرون مثله فى بناء نظام رأسمالى وإقامة علاقات قوية بالولايات المتحدة وتسوية سلمية مع إسرائيل أن يعبروا عن آرائهم فى العلن وفى حياة عبدالناصر، ولا ينتظرون وفاته حتى يعلنوا عنها بعد أن ظلت مخفية بسبب غياب الديمقراطية ودولة القانون.

والمفارقة أن مشروع عبدالناصر تم تفكيكه من داخله وعلى يد أحد أركان نظامه، أى الرئيس السادات، وليس من خصومه كالإخوان أو الوفديين مثلا.

وجاءت تجربة مبارك ومثلت نموذجا واضحا لإدارة الصراعات المخفية، فلم يسمح بأى تنافس سياسى خارج القصر، فالقيود، ولو الرخوة، شملت الجميع، فلا أحزاب يمكن أن تنافس الحزب الحاكم، ولا رموز سياسية يمكن أن يسمح لها بالتواصل مع الجماهير والتأثير فى المسار السياسى، ولا الانتخابات كانت نزيهة، بل إن تزوير انتخابات 2010 كان إعلانا عن بداية النهاية لنظام مبارك.

طوال هذه الفترة نجح النظام فى قتل السياسة وحصار السياسيين وإضعاف الأحزاب، متصورا أنه قضى على الأخطار التى تواجهها البلاد، إلى أن فوجئ بميلاد قوى احتجاجية هائلة تفجرت فى ثورة 25 يناير من خارج المنظومة السياسية القائمة فى الحكم والمعارضة.

ونظرا لضعف النظام وشيخوخته عجز عن أن يخلق بديلا إصلاحيا من داخله، فسقط لصالح الفراغ والصراعات المخفية، لأن الصراعات المعلنة فشل فى تنظيمها ووضعها داخل الإطار الدستورى والقانونى الصحيح.

والحقيقة أن المجلس العسكرى الذى أدار البلاد عقب ثورة يناير لم يدعم أى مرشح من خلفية عسكرية أو مدنية من داخل النظام، بل بدا غير مرحب بكل الرموز السياسية التى ظهرت فى تلك الفترة من الراحل عمر سليمان، مرورا بأحمد شفيق وعمرو موسى ومحمد البرادعى، وتقبل بسلاسة وصول الإخوان للسلطة.

والحقيقة أن الصراعات المخفية فى ذلك الوقت داخل نظام أغلق على نفسه وانفصل عن المجتمع ونظر إلى السياسة كأنها مضيعة للوقت مستغلا ضعف الأحزاب وتهافت كثير من السياسيين، وهو ما جعله مفرخة لصراعات تجرى فى القصور المغلقة، وحملت كثيرا من الضغائن التى جعلت رموز النظام الواحد يفضلون أن يصل للسلطة إخوانى بدلا من أى مرشح آخر ينتمى نظريا لنفس المنظومة، ولكنه فى رتبة أقل أو يشرب السيجار وغيرها من المبررات الصغيرة.

خطورة نظم الصراعات المخفية أنها تقتل السياسة خارج دائرتها الضيقة، وتتصور أنها تحمى نفسها من معارضيها، ولكن مشكلتها تكون عادة من داخلها ومن مؤيديها، وهؤلاء، فى ظل مناخ غير صحى ومغلق، مستعدون أن يديروا مؤامرات كثيرة قد تضر بالنظام برمته.

والمؤكد أن الصراعات المخفية الآن ستكون أكثر خطورة من أى مرحلة أخرى لأنه لا يوجد تنظيم سياسى أو وسيط حزبى حاكم ولا معارض، وبالتالى الدولة تدير وتحكم بشكل مباشر عبر أجهزتها، وهو وضع شديد الخطورة.

هذا الوضع قد يفسر لنا رواج نظريات المؤامرة حتى وصل الأمر إلى اعتبار أن شخصيات مدنية مثل د. محمد أبوالغار ود. السيد البدوى، ورجال أعمال وأصحاب قنوات خاصة يتآمرون على الرئيس لأنهم يتكلمون فى السياسة، أو يعتبر البعض الآخر عودة أحمد شفيق خطرا على النظام، أو ظهور عمرو موسى تهديدا للنظام، والحقيقة أن ما تصبو إليه هذه الأسماء أن تمثل أحزابها بصورة معقولة فى البرلمان، وحتى لو سعت فى يوم من الأيام للوصول للسلطة عبر آلية ديمقراطية لا يعتبر الأمر مؤامرة، إنما حقا مشروعا للجميع وفق قواعد متوافق عليها، وغيابها يضر أيضا بالجميع.

ولعل المعنى الذى غاب عن النظام السياسى المصرى، منذ أكثر من 60 عاما، وهو تقنين التنافس السلمى على السلطة بين قوى وجماعات سياسية مؤمنة بالدولة الوطنية والنظام الجمهورى وبالدستور المدنى، تؤدى إلى تفكيك تدريجى لمنظومة الصراعات المخفية التى باتت تمثل خطرا حقيقيا على مصر.

GMT 05:50 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

هل لديك الشجاعة؟!

GMT 05:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

الأدوات السياسية

GMT 05:46 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

كيف نتصدى لإيران في الخليج؟

GMT 05:31 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"الممر"

GMT 05:28 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

عيون وآذان (إسرائيل تتآمر على ما بقي من فلسطين)

GMT 02:12 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

«صاحبة الجلالة» ليست دائماً بريئة!

GMT 02:05 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرجيلة «حزب الله» وجمر إيران!

GMT 01:46 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

شرعية الإنجاز

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الصراعات المخفية الصراعات المخفية



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 12:48 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على تاريخ مصر القديمة في مجال الأزياء والموضة

GMT 03:59 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة في حادث الاعتداء على هشام جنينه

GMT 10:53 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

العلماء يحذرون عشاق "شاي الأكياس" من المخاطر الصحية

GMT 15:26 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

ميلان يضع خُطة لإعادة تأهيل أندريا كونتي

GMT 09:19 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

وصول جثمان إبراهيم نافع إلى مطار القاهرة من الإمارات

GMT 08:13 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

التغذية غير الصحية كلمة السر في الشعور بالخمول

GMT 09:09 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

طارق السيد ينصح مجلس إدارة الزمالك بالابتعاد عن الكرة

GMT 00:47 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

أمن الإسماعيلية يرحب باستضافة المصري في الكونفدرالية

GMT 18:22 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

القدر أنقذ ميسي من اللعب في الدرجة الثانية

GMT 09:28 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

عرض فيلم "نساء صغيرات" في الإسكندرية
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon