عمرو الشوبكي
يدهشك إخوان أردوغان فى مصر والعالم العربى حين لا يتذكرون له خطأ واحدا، ويحولون تسلطه إلى إيجابيات، ويخلطون- مع سبق الإصرار والترصد- بين إنجازاته الكبيرة التى حققها فى السنوات العشر الأولى من حكمه وبين هلاوسه واستبداده وقمعه لكل مخالف له فى الرأى، بعد أن بقى 14 عاما فى السلطة، وينوى البقاء حتى 22 عاما وفق دستوره الجديد، ويمكنه حاليا أن يعصف بأى دستور وأى قانون حتى يبقى بصورة أبدية فى السلطة.
لا أحد من إخوانه يشير إلى خطأ واحد ارتكبه، ويعتبرونه اتخذ إجراءات قمعية ضد انقلابيين خانوا الوطن والشعب، وينسون أو يتناسون إجراءاته القمعية بحق كل ألوان الطيف المعارض، حتى وصل الأمر إلى اعتقال 42 صحفيا فى يوم واحد وفصل حوالى 15 ألف موظف فى التعليم و2700 قاضٍ.
هل يجرؤ مواطن واحد من إخوان أردوغان على أن يقول إنه استبدادى؟ للأسف لا، فالجميع يتحدثون كصوت واحد ولون واحد ولغة واحدة، فهم يعلنون كل يوم رفضهم الانقلاب الفاشل، وهو حقهم لأن هناك من التيارات المدنية يسارية ويمينية ومستقلين رفضوه أيضا، ولكنهم فى نفس الوقت يبررون كل إجراءات أردوغان القمعية ويدافعون عنها ولا ينتقدونها، ولو «بهمسة عتاب»، ولا ببيان شارد من باب ذر الرماد فى العيون.
إخوان أردوغان يعتبرون أن قمعه لخصومه مبرَّر، ولكن قمع أى نظام آخر لخصومه غير مبرَّر، فى حين أن القمع يجب أن يكون مُدانا تحت كل الظروف ومع كل الأنظمة إذا أردنا أن يثق الناس فيمَن يتحدثون كل يوم عن غياب الديمقراطية ويدينون الانتهاكات.
إذا كان كل خصوم أردوغان من المتدينين مثل جماعة فتح الله جولن، أو العلمانيين أو النشطاء الشباب أشرارا ومتآمرين، فهل رئيس الجمهورية التركى السابق، عبدالله جول، صديق عمر ورفيق درب أردوغان، متآمر أيضا، وهو الذى سلم له بكل سلاسة قيادة الحزب والحكومة، بعد أن انتهت فترة إيقاف أردوغان عن ممارسة العمل السياسى، (اتهمه أردوغان بالخيانة والتآمر لمجرد أنه اختلف معه)، هل أحمد داوود أوغلو، الذى ترك مؤخرا رئاسة الحكومة والحزب بسبب تدخلات أردوغان واستبداده هو أيضا متآمر؟ لا توجد قيادة ذات حيثية داخل حزب العدالة والتنمية الحاكم إلا وتركت منصبها بسبب ممارسات أردوغان الاستبدادية.
أردوغان أنجز إنجازات كبيرة فى بدايات حكمه، ولكنه يرتكب كوارث وحماقات الآن تجعله قريبا من تيارات الاستبداد فى العالم العربى، ومَن ينوى البقاء فى السلطة 22 عاما يقارَن بمبارك وبن على، ولا يعتبره البعض محرر الشعوب وداعما للديمقراطية والثورات العربية.
لا يمكن أن نعتبر أن أردوغان ديمقراطى، حتى لو أنجز على المستوى الاقتصادى، مثلما لا يمكن أن نعتبر أن عبدالناصر كان ديمقراطيا، حتى لو كان بطل تحرر قومى، فلا يمكن إغماض العين عن أكبر عملية إقصاء وفصل من الوظائف العامة شهدتها تركيا منذ عقود، (وكأنها انقلاب آخر)، تحت حجة التطهير، واتخاذ إجراءات احترازية لعدم تكرار الانقلاب الفاشل، حتى طالت آلاف الصحفيين والسياسيين والشباب والموظفين والقضاة الذين تم التنكيل بهم، وبعدها يقول إخوان أردوغان إنه ديمقراطى!
رفض القمع والإقصاء وانتهاك القانون لا يجب أن يكون حديث البعض فى مكان، وصمتهم عليه فى مكان آخر، فأردوغان ليس ديمقراطيا، وستدفع تركيا وشعبها الصديق بكل أسف ثمنا باهظا للحماقة والاستبداد وغواية السلطة.