بقلم : عمرو الشوبكي
فاز الرئيس الروسى فلاديمير بوتين بولاية رابعة، فى انتخابات معروفة نتيجتها سلفا من «الكنترول»، وتنتمى لنظم سياسية عُرفت بالتعددية المقيدة، والتى يسمح فيها النظام السياسى القائم بهامش لأحزاب ورموز المعارضة للحركة والتعبير عن الرأى (التنفيس) ولديهم حظوظ دائمة فى الحصول على نسبة من التمثيل السياسى لا تهدد الرئيس والحزب الحاكم.
هذا النظام يختلف عن نظام الحزب أو الصوت الواحد الذى لا يسمح بأى ممارسة للسياسة خارج الحزب أو الجماعة الحاكمة، وأيضا عن النظم الديمقراطية التى تعرف تداولا للسلطة والتعددية الحزبية على أرضية سلطة الدستور والقانون وليس أى سلطة أخرى.
والمؤكد أن نظم التعددية المقيدة لم تخلق ديمقراطية كاملة، ولكنها خلقت نظما أكثر حيوية وكفاءه من نظم الصوت الواحد أو نظم التعددية المقيدة الشكلية التى لا تسمح بأى تنافس حقيقى من أى نوع، وروسيا واحدة من نظم التعددية المقيدة الكفؤة فى العالم، ونجد معها بدرجات مختلفة نظما عربية مثل المغرب ومصر فى عهد مبارك، وشرق أوسطية مثل تركيا وإيران وغيرها تبنت بصور مختلفة نظام التعددية المقيدة.
ضمن بوتين ثلثى أصوات الناخبين مثل الانتخابات السابقة، ودلت النتائج الأولية على أنه حصل على 70% من أصوات الناخبين، فى حين حصل أقرب منافسيه المنتمى للحزب الشيوعى الروسى على حوالى 12% من أصوات الناخبين، وحصل الستة مرشحين الآخرون على باقى نسبة الأصوات.
والحقيقة أن المقارنة بين مصر وروسيا كانت دائما واردة، وكتب فيها باحثون وصحفيون، فالرئيسان الروسى والمصرى جاءا من خلفية مخابراتية، وكلاهما يتميز بالقوة والدهاء، ولم يدعيا أن الديمقراطية الليبرالية هى أولوية، وأكثر من مرة أكد الرئيس المصرى على أن الديمقراطية مؤجلة فى مصر 25 عاما، لأننا بلد يعانى من تهديدات وجودية، اقتصادية وسياسية، وإرهاب محلى وإقليمى ومؤامرات خارجية.
صحيح أن الأخطار التى تواجهها مصر وتأجيلها الديمقراطية لا يلغى أن تسعى لأن تكون دولة قانون ومحاسبة وتمتلك نظاما كفئا، وهذا هو الفارق الرئيسى بين نظم تعددية مقيدة فى العالم (وليس فقط بالنسبة لقوى عظمى مثل روسيا) قوتها فى الإنجاز والتنمية والعدالة والقواعد المنظمة للعملية السياسية و«البيزنس» والاقتصاد، وبين نظم أخرى معدومة الكفاءة والقدرة على الإنجاز.
يقينا مشهد الانتخابات الروسية لم يكن ديمقراطيا، ولكنه سمح بتنافس تمناه الكثيرون فى مصر، وخاض الرئيس الروسى معركة سياسية ضد خصوم حقيقيين أحدهم على يساره أى مرشح الحزب الشيوعى، والثانية على يمينه مرشحة المبادرة المدنية الليبرالية.
اكتسح بوتين الانتخابات الروسية لأن النظام السياسى فى نظم التعددية المقيدة مصمم على ألا يخسر الرئيس وحزبه أى انتخابات، وأن الهامش الذى يعطيه هذا النظام هو للتنفيس أو النقد وأحيانا للصراخ لا تداول السلطة.
إن كفاءة النظام الروسى ونجاحه فى أن يكون لاعبا إقليميا منافسا للقطب الأمريكى الأول فى العالم، بعد أن سيطرت أمريكا على الساحة الدولية منذ نهايات الألفية الثانية حتى العقد الماضى، واستغلت روسيا بوتين سوء أداء إدارة أوباما وترددها فى التعامل مع كل الملفات الخارجية وأيضا تخبط ترامب وإدارته، فأصبحنا أمام رئيس روسى قوى ينجز فى الداخل والخارج حتى لو لم يكن ديمقراطيا.
نقلاً عن المصري اليوم