بقلم : عمرو الشوبكي
قوة الوضع السياسى الحالى لا يمكن اختزالها فقط فى القيود الأمنية، ولا فى التضييق على حرية الرأى والتعبير، ولا فى حبس المؤيدين إذا سهوا أو أخطأوا، إنما هى نتاج معادلة محلية وإقليمية ودولية لم تهبط علينا من السماء، إنما هى حصيلة واقع محدد أفرزها وجعلها تمثل لدى كثيرين طوق نجاة من معادلات أخرى بدت أكثر سوءا وأقل ثقة.
قوة الوضع القائم تبدأ من تعثر الأحزاب السياسية المدنية، ونجاح الجماعة الدينية العقائدية التى لم تحترم الدستور ولا القانون، واستدعى التخلص من حكمها تكريس معادلات القوة الجديدة بالاستعانة بتدخل مؤسسة أخرى منضبطة تعرف بدورها تراتبية صارمة ونظاما منضبطا فى تنفيذ الأوامر، ولديها رصيد شعبى فى وجدان المصريين، وهى مؤسسة الجيش.
معادلة الوضع الحالى جاءت بعد أن لاحت فرصة أمام المجتمع المصرى عقب ثورة يناير أن يحكم نفسه بنفسه، ولكنه فشل لأسباب كثيرة، وهو ما خلق قناعة لدى المعادلة الجديدة بأن المجتمع إذا تُرك لحاله فسيخرج إما «إخوان أو حازمون»، وأن الليبرالية والأفكار المدنية والتقدمية هى هوامش داخل معادلة تحكمها الأوامر والانضباط والعسكرى أو أوامر السمع والطاعة الدينية، فاختار أغلب الناس الأولى فى 3 يوليو 2013.
قوة الوضع الحالى بدأت عقب فشل مسارات ثورة 25 يناير السياسية، بدءا من فشل جماعة الإخوان المسلمين فى الحكم والمعارضة، وانتهاء بضعف القوى المدنية والثورية، وحين تعجز عن بناء مؤسسات مدنية (حتى لو كانت السلطة مسؤولة عن ذلك) وتحول الديمقراطية إلى باب للفوضى والثرثرة والحوار لساعات فى كلام فارغ وإلى احتجاجات يومية، فإنك ستجد من سيقول لك «اركن على جنب» وسندير نحن البلاد بغير الطريق الديمقراطى وعبر دائرة شديدة الضيق.
معادلة الوضع الحالى الأمنية هى أقوى معادلة فى مصر الآن، فلا توجد أحزاب سياسية قوية أو مؤسسات مدنية نقابية أو أهلية مؤثرة، ولا إخوان نفعوا أو ينفعوا.
ومع ذلك ستبقى المعادلة الحالية مهددة بعوامل ضعف كثيرة، طالما لم تقم بأى شراكة مع القوى السياسية والمدنية (على ضعفها)، ولم تتواصل مع الشعب عبر أدوات سياسية مدنية غير أمنية، وتضع المجتمع كرقم فى معادلة الحكم والسياسة فى مصر، وهو ما يجعل بجوار عناصر القوة عناصر ضعف أخرى تجعل من الصعب استمرار المعادلات الحالية إلا بشراكات حقيقية مع المجتمع.
ستبقى الميزة المهمة فى معادلة القوى الحالية أنه رغم كل التضييق الذى تمارسه على المجتمع إلا أنه مازالت هناك فرصة لكى تصلح نفسها من داخلها بأن تحدث الخطوة الأولى، أى تؤسس لنظام سياسى قائم على دولة القانون، وبداخله أجنحة وتيارات تنفتح عاجلا أم آجلا على المجتمع والقوى السياسية مهما كان ضعفهما.
معادلات الوضع القائم قوية وهى أقوى من باقى أطراف المعادلة السياسية والمجتمعية فى مصر، لكنها تفتقر لأى أدوات سياسية وهو ما يمثل عنصر ضعف هيكلى لا يمكنه الاستمرار بهذه الطريقة.
نقلا عن المصري اليوم القاهري