بقلم: عمرو الشوبكي
أخطر ما يمكن أن تتعرض له تجربة الانتفاضات العربية هو أن تعجر الأحزاب والنخب السياسية عن تقديم بديل مؤسسى للنظام القائم، وتشعر الجماهير أن سلاحها الوحيد هو التظاهر فى الشارع وحصار مبنى القيادة العامة للجيش أو ركوب قطار عطبرة والتلويح بأعلام السودان والدفاع عن الثورة المستمرة فى الشوارع والميادين.
وطالما بدأت الجزيرة فى دعم التظاهرات والاحتجاجات السودانية، باعتبارها ورقتها الوحيدة وصوتها، فإن هذا يعنى أن الخطر أصبح حقيقيا أمام محاولات الشعب السودانى بناء دولة قانون وانتقال ديمقراطى.
فللأسف الشديد منذ التواصل الذى جرى بين المجلس العسكرى الانتقالى فى السودان وكل من مصر والإمارات والسعودية، والدعم المالى الذى قدمته الأخيرتان للسودان بدأ الاستقطاب الإقليمى ينعكس على الوضع فى السودان، وأصبحت الجزيرة صوتا محرضا على التظاهر فى الشوارع على اعتبار أن ذلك هو الطريق الوحيد لتحقيق انتقال السلطة للمدنيين.
وإذا كان مفهوما فى ظل حالة الاستقطاب الإقليمى البائسة أن يحاول الخط الذى تمثله الجزيرة أن يضغط على السلطة الانتقالية القائمة لأنه يعتبرها تمثل محورا آخر، إلا أن نتيجة هذا الضغط ستكون كارثية على الشعب السودانى الذى سيدفع الثمن وليس قطر ولا السعودية ولا الإمارات.
دفع الناس للضغط الشعبى والتظاهر اليومى، وحين يطلب من نخبهم وأحزابهم تقديم بديل، يقدمون 100 رؤية (كما ذكر رئيس المجلس العسكرى الفريق البرهان) وحين يتحاور تيار مع المجلس كما يفعل العالم كله، بما فيهم الأعداء وليس أبناء الوطن الواحد، يزايد عليهم تيار المزايدين ويخونونهم لأنهم أعلنوا عدم الحوار مع المجلس العسكرى.
الشارع ورقة ضغط فى كل بلاد العالم، وهو الذى أسقط البشير وغيره من الحكام المستبدين، ولكنه لا يكفى وحده طالما لا يوجد بديل سياسى للنظام القائم.
خطورة ما تلعب عليه الجزيرة أنها تحاول أن تضغط على السلطة التى صنفتها فى المحور الآخر، باللعب على ورقة الشارع، وهى فى نفس الوقت تعرف أن الضغط دون بديل للنظام القائم يعنى الفراغ الذى يفتح الطريق للفوضى أو العنف أو الاقتتال الأهلى الذى لا يوقفه إلا الحكم العسكرى.
وللأسف فإن معظم الردود على بناء البديل تناقش مسؤولية النظم القائمة عن ضعف الأحزاب والحياة السياسية وهو أمر لا خلاف عليه، وطالما اتفقنا على «توصيف الضعف» بصرف النظر عن أسبابه فإن البديل يكون على ضوء توازنات الواقع وليس شعارات الكتب الثورية ولا بريق الشارع ونبله.
فرص السودان (كما الجزائر) فى بناء نظام مدنى ديمقراطى ستكون بالتخلص فقط من عشرات الفاسدين والمجرمين من النظام القديم، لا إقصاء كل أركانه، كما يطالب الشارع والجزيرة، وضرورة القبول بجزء من هذا النظام يسمح بدمج القوى الجديدة، وهى أمور لكى تنجح تحتاج إلى تفاوض وحوار وبناء مؤسسات بديلة لا فقط ضغط الشارع.
وقد يهمك أيضًا: