توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ومَن يحاسب؟

  مصر اليوم -

ومَن يحاسب

عمرو الشوبكي

حين تعلو أصوات البعض مطالبة بإعدام الإرهابيين لا يعترض معظم الناس، حتى لو أصروا على أن يتم ذلك من خلال محاكمات عادلة، وحين يعتبر البعض أن مواجهة الإرهاب ستكون بالأغانى الوطنية وضرورة القصاص وشعارات الموت للخونة والمتآمرين، فنحن هنا لا نقدم جديدا، لأن القِصاص بديهى، إنما الأزمة في أن هذه الشعارات تُوظَّف لكى لا نناقش جوانب الخلل وأبعاد الأزمة، التي جعلت الإرهاب مستمرا، رغم قوة المواجهات الأمنية وبسالة جنودنا وصلابة جيشنا، بما يعنى أننا على الأقل في حاجة لاستخدام أدوات أخرى في حربنا ضد الإرهاب.

يقينا الإرهاب ظاهرة عالمية، ويقينا أيضا أن الإرهاب موجود في النظم الديمقراطية والاستبدادية، بما يعنى أن الديمقراطية لن تملك عصا سحرية تُنهى الإرهاب، ولا أن الاستبداد هو العامل الوحيد الذي يساعد على انتشار الإرهاب.

ومع ذلك سيصبح البديهى في حال وجود تعثر أو فشل أو عجز عن مواجهة الإرهاب أن نطرح سؤال: ومَن يحاسب عن هذا الفشل؟ ولماذا لا نفتح بشجاعة أسباب استمرار الإرهاب ومسلسل سقوط الشهداء الذي لا ينتهى، فلم نَعْتَد أن يستشهد قادة ورجال في الجيش المصرى على يد مصريين، ولو بالجنسية، وحتى لو وصفناهم بـ«الخونة»، فالصورة مُحزِنة ومُقلِقة في نفس الوقت.

إن اقتصار معركتنا في مواجهة الإرهاب على الجوانب الأمنية والعسكرية هو نوع من القصور الفادح، فلابد من التعامل السياسى والاجتماعى مع ظاهرة الإرهاب (مثل كل بلد أراد أن يخرج من تلك الدوامة)، وهو لا يعنى تدليل الإرهابيين أو عدم التعامل بشدة معهم مثلما يردد المتاجرون بدماء الشهداء لصالح أغراض سياسية رخيصة، إنما يعنى الاشتباك مع الواقع الاجتماعى والسياسى، الذي يجعل هناك ظهيرا مجتمعيا ولو محدودا يفرز أو يقبل أو يتواطأ مع العناصر الإرهابية.

فكل العلوم الحديثة- (أستغفر الله من كلمة علوم وعلم في مصر)- التي اقتربت من ظاهرة جماعات العنف الدينية والسياسية في مختلف دول العالم كانت دائما تميز بين البيئة الحاضنة التي تحتاج بالأساس لأدوات غير أمنية، أي سياسية واجتماعية من أجل تغييرها، وبين التنظيم الإرهابى أو الخلية الإرهابية التي حملت السلاح وتواجه أساسا بإجراءات أمنية.

ورغم أن نظامنا السياسى تحدث أكثر من مرة عن تنمية سيناء، فإنه لم يتحدث عن بشر سيناء وما أصاب مليون مواطن من صعوبات جمة في حياتهم اليومية ومن عمليات ذبح علنى في الميادين والشوارع لكثير من أهلنا في سيناء ممن اختاروا بوطنية صادقة أن يتعاونوا مع الدولة والجيش دون أي حماية تُذكر، حتى صمتوا تجاه تحركات الإرهابيين حتى لا يتم إيذاؤهم، وفى نفس الوقت تعرضوا لأذى آخر تمثل في أكبر حملة تخوين معتادة من المتاجرين بالوطنية، متناسين أدوار كثير منهم البطولية حين كانت إسرائيل تحتل سيناء، واختاروا هم الدولة المصرية لا دولة الاحتلال العبرية.

ورغم استمرار المواجهات الأمنية في سيناء لمدة تجاوزت العامين، فإن أعداد الشهداء لم تنقص، وهو ما يجعلنا نسأل سؤالا بديهيا حول مسؤولية الوضع الاجتماعى في سيناء عن استمرار الإرهاب، وهو نفس السؤال الذي يُطرح عن وجود مفرخة خطرة ومُقلِقة لتنظيمات إرهابية صغيرة حملت تارة اسم «العقاب الثورى» وأخيرا «لواء الثورة» وهى تضم شبابا صغير السن تعرض لغسل مخ إخوانى، مستثمرا أخطاء فادحة تجرى في مجال السياسة والاقتصاد، حتى أصبحنا أمام بيئة حاضنة أخرى مختلفة في طبيعتها عن سيناء، ولكنها قادرة- عبر رواية مظلومية سياسية- على أن تُنتج كل يوم عشرات من العناصر الإرهابية غير المعروفة لأجهزة الأمن ولا تُواجَه بأى رؤية سياسية مقابلة.

والحقيقة أن معركة مصر ضد الإرهاب ليست فقط مع العصابات الإجرامية التي ترفع السلاح وتروع الأبرياء وتقتل رجال الجيش والشرطة الشرفاء، إنما أساساً مع البيئة الاجتماعية المحيطة التي جعلت انتشاره واقعاً حقيقياً، وهذه البيئة قد تكون نتيجة أخطاء سياسية وقع فيها الحكم، تستوجب التصحيح أو نتيجة علاقة ثأرية بين قسم من المجتمع والدولة أو نتيجة تضامن قبلى أو عائلى أو رواية مظلومية سياسية.

لا يوجد مجتمع عانى من الإرهاب إلا وسأل نفسه السؤال البديهى: لماذا هناك إرهابيون قبل أن يطالب بالقِصاص منهم؟ فهذا سؤال طرحه الغرب الديمقراطى حين صُدم بانضمام آلاف من مسلميه إلى تنظيم داعش الإرهابى، وسؤال طُرح في الجزائر عقب «عشريتها السوداء»- (مقصود بها عقد التسعينيات)- التي راح ضحيتها 100 ألف مواطن نتيجة الإرهاب، وقامت الدولة بمبادرات كثيرة لاستيعاب آهلى المناطق الجبلية حتى تفصلهم عن العناصر الإرهابية وتسهل من مهمة القضاء عليهم.

والمؤكد أن مصر كما في أي بلد لن تتصالح مع مَن حملوا السلاح وقتلوا أبناءها، إنما هي في حاجة إلى أن تتصالح مع البيئة الاجتماعية المحيطة بهؤلاء الإرهابيين، وأن تفتح باب التوبة لمَن تأثروا بخطاب العنف دون أن يتورطوا في ممارسته، كل ذلك حدث حولنا وفى كل التجارب التي اكتوت بنار الإرهاب، فمواجهته كانت بمبادرات سياسية تفصل الإرهابيين عن البيئة الحاضنة، فتتحاور مع الأهل والقبيلة والرؤية السياسية الخاطئة والمخالفة، ومع الحاضنة السياسية والاجتماعية، وتواجهها بخطاب سياسى مدنى وسلمى يَحُول دون انضمام مزيد من الناس لممارسة العنف والإرهاب.

إن قصر المحاسبة فقط على إعدام كل الإرهابيين على طريقة «برد نارك» لن يحل المشكلة مادامت هناك بيئة اجتماعية وسياسية ستفرز آلافاً آخرين، فالمطلوب محاسبة المسؤولين عن كل أوجه القصور السياسية والاجتماعية والأمنية التي فشلت حتى الآن في ربح معركة البيئة الحاضنة للإرهاب.

GMT 05:50 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

هل لديك الشجاعة؟!

GMT 05:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

الأدوات السياسية

GMT 05:46 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

كيف نتصدى لإيران في الخليج؟

GMT 05:31 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"الممر"

GMT 05:28 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

عيون وآذان (إسرائيل تتآمر على ما بقي من فلسطين)

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ومَن يحاسب ومَن يحاسب



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 12:48 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على تاريخ مصر القديمة في مجال الأزياء والموضة

GMT 03:59 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة في حادث الاعتداء على هشام جنينه

GMT 10:53 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

العلماء يحذرون عشاق "شاي الأكياس" من المخاطر الصحية

GMT 15:26 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

ميلان يضع خُطة لإعادة تأهيل أندريا كونتي

GMT 09:19 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

وصول جثمان إبراهيم نافع إلى مطار القاهرة من الإمارات

GMT 08:13 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

التغذية غير الصحية كلمة السر في الشعور بالخمول

GMT 09:09 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

طارق السيد ينصح مجلس إدارة الزمالك بالابتعاد عن الكرة

GMT 00:47 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

أمن الإسماعيلية يرحب باستضافة المصري في الكونفدرالية

GMT 18:22 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

القدر أنقذ ميسي من اللعب في الدرجة الثانية

GMT 09:28 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

عرض فيلم "نساء صغيرات" في الإسكندرية
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon