بقلم - عمرو الشوبكي
أسوأ ما شهده العالم العربى فى السنوات الأخيرة هو هذه الدرجة من الاستقطاب السياسى والاجتماعى والمذهبى التى قتلت إنسانية الكثيرين، وحولت المشاعر الإنسانية الفطرية إلى سلوك وحشى صادم.
ولعل قضية اختفاء جمال خاشقجى عكست جانبا من تلك الأزمة، فهناك من تكلم عن دور قطر وتركيا أكثر ما تكلم عن الإنسان الغائب، والبعض الآخر كانت قضيته الوحيدة استهداف السعودية وتصفية حساباته السياسية معها، بصرف النظر أيضا عن هذا الإنسان الغائب.
جوهر قضية خاشقجى تتمثل فى اختفاء إنسان لا الاتفاق ولا الخلاف مع آرائه ولا الاتفاق ولا الاختلاف مع السعودية، ولا تأييد تركيا أو قطر أو معارضتهما، إنما التعاطف الإنسانى مع حالته والعمل على معرفة الحقيقة، وهو ما غاب تقريبا أمام الاستقطابات السياسية ومعارك العرب القبلية.
رد فعل كثير من المؤسسات المالية والصحفية ورجال أعمال ومثقفين (غالبيتهم الساحقة خارج العالم العربى) فى التنديد بما جرى لخاشقجى والمطالبة بكشف أسباب اختفائه، بل إن بعضهم اتخذ مواقف مخالفة لحكوماته، والبعض الآخر قبل أن تتضرر مصالحه، لأن فطرته الإنسانية لم يتم تخريبها ولم يتم جرّها إلى خانة الاستقطاب والكراهية والمصالح التى تلغى الضمائر.
حادثة خاشقجى ليست الوحيدة، فهناك حوادث قتل وعنف وإرهاب تشهدها كثيرٌ من دول العالم، وتعامل معها البعض بمنطق انتقائى بسبب تحيزاته السياسية والطائفية أو مصالحة الضيقة، وفى أحيان أخرى بسبب التخلف وقلة الوعى الذى يدفع البعض إلى ترديد كلام قاتل للفطرة الإنسانية السوية.
فهناك من يبرر أعمال الإرهابيين، لأنه يكره النظم القائمة، ويحول خلافه مع النظام الحاكم إلى خلاف مع الوطن، وهناك من ينتظر ليعرف هوية الضحية ليدين ويشجب أو يغمض عينيه ويعمل لا يرى ولا يسمع ولا يتكلم.
البعض لم يستطع أن يسير بالخط على استقامته ويتعاطف مع كل الضحايا المدنيين مهما كانوا، فتجاهل البعض بتحيّز فجّ جرائم الميليشيات الطائفية الشيعية فى العراق لأن الضحايا سنة، تماما مثلما تجاهل البعض جرائم داعش وباقى التنظيمات التكفيرية لأن الضحايا شيعة، وظهر المبررون للعنف والإرهاب حسب الطلب ولون المجرم والضحية.
التخلف والجهل يجعلاننا نسقط فى نظرية مؤامرة خائبة تبرر فى النهاية جريمة قتل الناس بالكيميائى أو بالبراميل المتفجرة، أو تعتبر إرهاب التنظيمات التكفيرية نضالاً ضد الاستبداد، وتجاهلوا الدماء الذكية التى تسقط ضحية إرهاب هذه التنظيمات.
علينا أن نخرج قضية اختفاء الصحفى السعودى جمال خاشقجى من سياسة المحاور والاستقطاب المهيمنة فى العالم العربى، وألا نسمح للقيود فى بلادنا إلى حد المساس بالفطرة الإنسانية ونتجاهل أن هناك إنسانا اختفى، ومن حق إنسانيتنا أن نتساءل جميعا أين ذهب بعيدا عن صراعات السياسة العربية؟!.
نقلا عن المصري اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع