بقلم : عمرو الشوبكي
عرضت القناة الثالثة فى التليفزيون الفرنسى، مساء الأربعاء الماضى، فيلما تسجيليا أعقبة حوار مطول حول قضية الاعتداء الجنسى على الأطفال على يد بعض رجال الدين الكاثوليكى فى فرنسا وخارجها.
وقد ظهر للعلن هذا الموضوع فى ظل موجة المصارحة والمكاشفة التى شهدها العديد من دول العالم حول حالات التحرش والاعتداءات الجنسى التى تعرض لها نساء، وجاء فتح ملف الكنيسة ليسقط أحد المحرمات التى عرفتها المجتمعات الغربية حتى وقت قريب والتى كانت ترى أن نشر حوادث فردية يصور الأمر على أنه حالة عامة داخل الكنيسة، ويصدم إيمان المؤمنين.
وقد سقط هذا المنطق فى السنوات الأخيرة، ولم تعد هناك أى مؤسسة دينية أو مدنية تحظى بأى حصانة سواء الجيش أو الرئاسة أو الملك أو الكنيسة، وعرفت فرنسا منذ عام 2015 حملة صحفية وإعلامية باسم كلام حر parole Liber تحدث فيها ضحايا الاعتداءات الجنسية فى سن الصبى والطفولة.
وقد تكلم فى هذه الحملة بجرأة رجال من مختلف الأعمار تعرضوا لاعتداءات جنسية فى طفولتهم أكبرهم عمره 72 عاما وتحدث عن واقعة تعرض لها منذ 60 عاما، وآخرون أحدهم 37 عاما والثانى 46 والثالث 56 والرابع 43 والخامس 62 عاما.
أحد المتحدثين تحول إلى امرأة وادعى أن قراره هذا كان فى جانب منه محاولة للتخلص من جسد الرجل الذى تعرض للاعتداء على يد رجل دين!!
بعض من تحدثوا خصوا الأب برينا (Braina) الذى اتهم بالتحرش بـ 80 طفلا فى فرق الكشافة التابعة للكنيسة، وكيف حمته الأخيرة فى البداية واكتفت بنقله، وبعد ضغط الرأى العام أوقفته عن عمله وحوكم.
إن فتح قضية التحرش بالأطفال أمام الرأى العام جعل البابا فرنسيس يقر بوجود وقائع مشينة ويسعى لتصحيحها بكل شفافية ونزاهة، وهو ما دفع الكنيسة فى فرنسا إلى الاعتراف بأن هناك حوادث تحدث لا تمثل بالتأكيد الصورة العامة ولا الغالبة، وأن الاعتراف بها ومواجهتها لا يعنى إهانة الكنيسة أو تشويه سمعتها.
وتلك أهمية النظم الديمقراطية فى أنها لا تعطى حصانة لأى مؤسسات دينية أو مدنية وترفض جعلها فوق النقد والمساءلة فتكرس تأخرها وتأخر مجتمعاتها كما يحدث فى بلاد كثيرة.
وقررت الكنيسة فى فرنسا عمل لجنة بداخلها يقودها أحد رجال الدين المعروفين بالتدين والاحترام الشديد وهو الأب لوك كريبى (LuckCrepy) وتكلم الرجل أمام اثنين من الضحايا أحدهما أعلن إلحاده، والثانى أعلن علنا أنه مازال متمسكا بإيمانه المسيحى (شهدنا ابتسامة عريضة من الأب لوك حين سمع كلامه) وقال: نحن سنقضى على هذه الآفة لأن هذا واجبنا أمام الله والعدالة والناس، وعلينا فى نفس الوقت أن نعى صعوبة الوضع لأن ثقافة الكنيسة تقوم على تغيير الناس ودفعهم للإيمان لا أن تتغير هى.
تكلم الرجل بتسامح واحترام شديدين أمام انتقادات المذيعة وأحد الضحايا، كما تحدثت صحفية فى صحيفة لاكروا (La Croix) عن موضوع الاعتداءات، ومدى الصعوبة النفسية التى شعرت بها كمؤمنة مسيحية وهى تنتقد الكنيسة فى البداية حتى وصلت لقناعة أن النقد من أجل الإصلاح واجب.
الكلام الحر هو الذى يبنى المجتمعات خاصة لو كان هدفه الإصلاح والتغيير.
نقلاً عن المصري اليوم