عمرو الشوبكي
البعض لا يرتاح لأن يكون البديل الأوفر حظا للوصول إلى موقع الرئاسة هو بديلا من خلفية عسكرية، والبعض الآخر يرفض ذلك صراحة ويعتبر أن مجىء السيسى يعنى نهاية الديمقراطية فى مصر، وعودة للدولة الأمنية وإقامة نظام عسكرى، فى مقابل هؤلاء هناك أغلبية شعبية كبيرة تؤيد المرشح ذا الخلفية العسكرية.
وإذا كان من حق المعارضين أن يرفضوا والمؤيدين أن يؤيدوا، إلا أن السؤال الذى طرحناه مرارا وتكرارا: لماذا بقى المرشح ذو الخلفية العسكرية هو الحاضر الغائب فى أذهان قطاع واسع من المصريين منذ ثورة يوليو حتى الآن؟
والحقيقة أن من يتصور أن تنظيم الضباط الأحرار وجمال عبدالناصر قد هبط من السماء على الشعب المصرى، وأنه نال شرعيته بفوهات المدافع والدبابات فهو واهم، إنما نالها بسبب فشل النخبة المدنية وانقسامها وعجزها، على أن تلبى طموحات الشعب المصرى فى الاستقلال الوطنى.
صحيح أن عبدالناصر كان حالة خاصة فى التاريخ المصرى، لأنه أنشأ تنظيما ثوريا اخترق الجيش مخالفا قوانينه، وامتلك خبرة سياسية وتعامل مع نوعيات مختلفة من البشر قبل وصوله للسلطة، وأصبح لديه منذ البداية تكوين سياسى ربما فاق تكوينه العسكرى.
ودارت الأيام وثار الشعب المصرى فى 25 يناير ثورة عظيمة، وبدأ مسارا متعثرا (أو بوضوح فاشلا) فى رحلة بناء نظام سياسى جديد، ففشل المجلس العسكرى فى وضع أى قواعد دستورية وقانونية جديدة تصلح النظام القديم أو تؤسس لنظام جديد، ينقذها من حالة الفوضى والاستباحة التى شهدتها طوال السنوات الثلاث الماضية.
وفشلت الائتلافات المدنية والقوى الثورية فى تقديم بديل مقنع لعموم الناس، إلا الاحتجاج وهتافات يسقط كل نظام وكل رئيس، والمدهش أن بعض هتيفة يسقط حكم العسكر تحولوا إلى مبايعين ومطبلين للمرشح ذى الخلفية العسكرية على اعتبار أنه سيفوز.
وبقيت جماعة الإخوان كامنة لاختيار اللحظة المناسبة للانقضاض على السلطة، والتمكين الدائم من الدولة دون أن تمتلك أى أجندة وطنية للتعامل مع المجتمع.
إذاً نحن أمام فشل ثلاثى الأبعاد فى إدارة المشهد السياسى بعد 25 يناير، مسؤول عنه أولا نظام مبارك ورموزه من العسكريين والمدنيين، والقوى والأحزاب المدنية والثورية، ثم الفشل المدوى لجماعة الإخوان المسلمين، التى وصلت للسلطة وعملت من أجل هدف واحد هو البقاء الأبدى فيها.
وجاءت تجربة عبدالفتاح السيسى، المرشح ذى الخلفية العسكرية، فى ظل تعثر وضعف القوى السياسية، فلا يوجد حزب من الأحزاب الكبيرة أو الصغيرة فى مصر إلا به من المشاكل والاتهامات والمزايدة ما تجعله عاجزا عن بناء بديل سياسى حقيقى قادر على الفعل فى الشارع، صحيح هناك خطاب بعد 30 يونيو مناهض للأحزاب والسياسة، لكن هذا الخطاب أصبح له مريدون بعد فشل الأحزاب والقوى المدنية بعد 25 يناير، فكلما تمعن فى شتيمة رئيس حزبك أو زميلك فى التنظيم أو تعتبر أن طرد نقيبك أو نائبك أو من كان أستاذك من مكان عام أو خاص أو المزايدة على طوب الأرض والنضال المريح على الفيس بوك سيفتح لك باب الصعود السياسى، فأنت تتناسى أن هذا المناخ يفتح الباب أمام المرشح القادم من مؤسسة لا يعرف الناس عنها الكثير، وتاريخه هو صندوق أسود لأنه مرتبط بقواعد العمل داخل المؤسسة العسكرية، على خلاف كل نظرائه السياسيين والحزبيين الذين تعرضوا لحملات تقطيع هدوم بعضها هم مسؤولون عنها وبعضها الآخر كانوا هم ضحاياها، فعليك إذن ألا تندهش من اكتساح المرشح ذى الخلفية العسكرية، ولو فى الانتخابات الأولى، ليس فقط بسبب دوره فى 30 يونيو، إنما لأن التربة السياسية التى عشنا فيها بعد 25 جعلت الناس تختار من تحكمه قواعد الإدارة والانضباط وليس السياسة.
"نقلا عن جريدة المصري اليوم"