عمرو الشوبكي
معادلة ترشح المشير السيسى لرئاسة الجمهورية تقول ضمناً إن هناك أزمة حقيقية فى الأحزاب والقوى السياسية، وإن أحد أسباب شعبية الرجل القادم من المؤسسة العسكرية يرجع لعجز أحزاب ما قبل 25 يناير وما بعدها عن أن تقدم مرشحا قادرا على المنافسة والفوز.
بالتأكيد هناك أسباب كثيرة وراء قوة الرجل، منها ما قام به فى 3 يوليو فى مواجهة حكم الجماعة وعدم رضا الأمريكان عنه، وهو ما ساهم فى أن يستدعى قطاع واسع من المصريين وطنية مصرية اعتبرت أنها قادرة على مواجهة كل التحديات.
إن تجريف السياسة وضعف الأحزاب وتخبط النخبة وحالة تقطيع الهدوم التى أصابت التيارات والائتلافات السياسية مثّلت عاملا مهما فى أن يسقط قطاع واسع من المصريين على السيسى صورة المخلص، وتصور البعض أنه يحمل عصا سحرية قادرة على حل كل المشكلات.
وإذا كانت أزمة النخبة والأحزاب سبباً وراء صعود الرجل وأحد أسرار قوته إلا أن السؤال هل يمكن له أن يحكم مثل عبدالناصر دون أحزاب وشراكة سياسية؟ الإجابة بالتأكيد لا، فمصر فى 2014 ليست كما 1952، كما أن فى الأول الشعب المصرى هو الذى قام بثورة وساندها الجيش، فى حين أن فى الأخير الجيش ممثلا فى الضباط الأحرار هو الذى قام بثورة ساندها الشعب.
إن مصر فى منطقة وسط بين خيار الدولة والأحزاب، فإذا كانت الأحزاب والقوى السياسية تعانى من أزمة فإن الدولة المصرية بدورها تعانى من أزمة، فبعد حالة التجريف والتدهور التى أصابت مؤسساتها، فإن الاعتماد فقط على رجال الدولة وتجاهل دور الأحزاب سيعوق من تطور هذا البلد، وسيقضى على أى فرصة لإصلاح مؤسساته وتحديثها، كما أن رجال الأحزاب لم يستطيعوا بمفردهم أن يعبروا بالبلاد من أزمتها.
صحيح أن جانباً من قوة مشروع السيسى أنه يأتى من خارج مستنقع الخلافات الحزبية والسياسية، ولكنه أيضا جزء من التحديات التى ستواجهه، لأن أدوات أى حكم أو نظام سياسى فى العالم، بما فيها النظم السلطوية، يجب أن تكون فى جانب منها أدوات سياسية وليست فقط إدارية أو أمنية.
فنظام عبدالناصر كان نظاما ثوريا ولم يكن نظاما ديمقراطيا، ولكنه اعتمد على تنظيم سياسى واحد هو الاتحاد الاشتراكى، ولم يحكم فقط بالأمن والإدارة، ونفس الأمر تكرر مع السادات الذى امتلك مشروعا سياسيا مخالفا لعبدالناصر، لكنه لم يحكم فقط بالأمن والإدارة، وجاء مبارك وغابت عنه الرؤية السياسية (إلا موهبة البقاء الطويل فى الحكم)، وأضعف الأحزاب وجرّف الحياة السياسية، وفى نفس الوقت ترك دولة مأزومة عرفت انهيارات فى التعليم والصحة والأمن والإدارة.
إن التركة التى ستواجه الرئيس القادم هى ضعف مؤسساتى وضعف حزبى وسياسى، تضاف إليها حالة الانقسام المجتمعى والاستقطاب السياسى منذ حكم الإخوان (وليس 3 يوليو)، وهذا تحدٍ لم يواجهه أى نظام سابق فى تاريخ مصر، فوضع مؤسسات الدولة وحال نخبتها السياسية كانا أفضل فى عهدى عبدالناصر والسادات وحتى بدايات حكم مبارك، مقارنة بالأوضاع الحالية.
علينا أن نعى أن أى فراغ تتركه النخب السياسة بانقسامها وتشتتها سيملؤه تلقائيا «الطرف المنظم»، أى الجيش، وهذا ما جرى بعد الفشل المدوى لحكم الإخوان، والمطلوب أن تستعيد القوى السياسية حيويتها وتقدم برنامجا إصلاحيا حقيقيا قادرا على أن يغير فى معادلة القوة فى مصر، فيحمى الجيش الدولة والشعب، ويحافظ على أمن البلاد القومى، ويكون ضامنا لنجاح العملية السياسية، وأن يدخل الرئيس القادم القصر الرئاسى منفصلا عن جهاز الدولة، خاصة المؤسسة العسكرية، وأن يكون ضامنا لحيادهما معا.
"المصري اليوم"