توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

هل هناك ثورات إصلاحية؟

  مصر اليوم -

هل هناك ثورات إصلاحية

عمرو الشوبكي

عدت مرة أخرى لقراءة الأدبيات التى تحدثت عن الثورة بمناسبة انعقاد مؤتمر الإصلاح فى مكتبة الإسكندرية، وشارك فى عرضها مجموعة من الخبراء والباحثين وأساتذة الجماعات. والحقيقة أن هناك مداخل عديدة لفهم عملية الثورة والتغيرات الثورية فى العالم كله امتلأت بها كتب السياسة والتاريخ على مدار القرون الماضية، فهناك المدخل النفسى الذى يبحث فى العوامل النفسية التى تدفع الشخص إلى أن يصبح جزءا من الحركات الثورية، ومن أبرز رواد هذا المدخل «جوستاف لوبون» الذى يُعرف الثورة على أنها «مجموعة من التحولات الفجائية فى المعتقدات والأفكار والمذاهب»، وهناك التفسير النقدى الذى انتشر فى القرن التاسع عشر بين أحزاب ومفكرى اليسار، وينطلق من أن الثورات تحدث نتيجة وجود تناقضات أساسية بين الطابع الاجتماعى للإنتاج وشكل التملك الاحتكارى الخاص، ما يؤدى إلى اتساع الشعور بالظلم والاستغلال الذى يمارس من قبل فئة قليلة مالكة ضد باقى فئات الشعب، الأمر الذى يصل إلى أزمة سياسية تؤدى إلى نشوء حالة ثورية تتجسد بنشاط الجماهير السياسى الواسع من خلال التمرد على الواقع بأشكال ومظاهر متعددة مثل: الاضطرابات، والمظاهرات، والاجتماعات، والانقلابات. وعن أسباب الثورات يرى كارل ماركس أنه فى مرحلة معينة الصراع بين القوى المنتجة الجديدة وبين العلاقات الإنتاجية القديمة الأساس الموضوعى للثورة وأن تصفية العلاقات الإنتاجية القديمة واستبدالها بعلاقات جديدة لا تحدث تلقائيًّا، وإنما من خلال توحيد القوى التقدمية التى تعمل على إنهاء النظام الاجتماعى القديم. أما لينين أول زعيم لروسيا الشيوعية وقائد ثورتها، فقد أشار إلى أهمية الدور الذى يلعبه الحزب الثورى فى توحيد وتنظيم القوى الثورية بحيث تحل الثورة جملة من القضايا المتعلقة بالتغيير الاجتماعى، وتهدم القديم وتبنى الجديد. أيضًا يرى لينين أن سلطة الدولة هى المسألة الرئيسية فى أى ثورة حيث تعتبر الثورة مقدمة ووسيلة لتسلم السلطة الذى يعتبر شرطًا ضروريًّا للتغيرات الجذرية التى يجب تحقيقها فى المجتمع عن طريق هدم الدولة البرجوازية القديمة وبناء دولة جديدة يقودها حزب الطبقة العاملة الشيوعى. كذلك أشار لينين إلى أن السيطرة الاستعمارية وما يرافقها من نهب واستغلال للشعوب المستعمرة يمكن أن تشكل مقدمات لقيام ثورات وطنية ذات طابع تحررى ضد الدول الاستعمارية، وعُرفت هذه الثورات فيما بعد باسم «ثورات التحرر الوطنى». أما التفسير المحافظ فيتفق هذا المدخل إلى حد كبير مع المدخل النفسى، حيث يرى أن الثورة بمثابة انفجارات شبه بربرية خارجة عن السيطرة وانفعالات جماهيرية مدمرة، وكل ما تتضمنه الثورة من أحداث فهى فوضى لأنها تعبر عن سيكولوجية الحشد. برز هذا التفسير إبان الثورة الفرنسية ومن أبرز مفكريه «نيتشه» و«جوستاف لوبون» وغيرهما. وبصرف النظر عن موقف المفكرين والعلماء والمدارس المختلفة من قضية الثورة، فإنها من الناحية النظرية والعملية تعنى تغييرا جذريا، ولكن صحيح أيضا أن هناك ثورات أنتجت نظماً أسوأ من النظام القديم وهناك ثورات غيرت من بنية النظام القديم بشكل تدريجى وأسست لآلية إصلاحية ساهمت فى بناء نظام جديد، وهناك من الانتفاضات الشعبية التى أسقطت النظام القديم واعتمدت على جزء من أركانه فى بناء نظام ودولة جديدة، وحققت نجاحات فى التنمية الاقتصادية والسياسية أكبر من تجارب ثورية مكتملة الأركان. والحقيقة أن مفهوم «الثورات الإصلاحية» مرتبط بسياق معظم تجارب التغيير التى شهدها العالم فى النصف قرن الماضى باستثناء الثورة الإيرانية، وهو يقوم على مجموعة من الأطر والمفاهيم التى يمكن أن تفسر لنا مسارات الثورات فى العصر الحديث وكيفية تحويل الطاقة التى خلقتها إلى حالة بناء. لماذا هى إذن ثورات إصلاحية وما الفارق بين هذا النوع من الثورات وتلك التى شهدها العالم طوال القرنين التاسع عشر والعشرين؟ كثير منا حلم فى فترة الشباب، وأحيانا بعدها، بوجود عقيدة ثورية يتبناها وربما يحفظ مفرداتها يسقط من خلالها السلطة المستبدة، ويخلص المجتمع من مظالم كثيرة يبنى على أثرها نظاما جديدا ومجتمعا مثاليا يهندسه وفق عقيدته الثورية. والماركسية كانت واحدة من أهم النظريات الثورية الملهمة فى تاريخ الإنسانية، وهى التى سمحت ببناء ما عرف بالتنظيم الثورى الذى تبنى أعضاؤه نظرية ثورية نجحوا من خلالها فى هدم النظام القائم وبناء آخر جديد على ضوء تلك النظرية، فكانت تجربة التنظيمات الشيوعية فى روسيا القيصرية عشية اندلاع ثورة 1917. والمؤكد أن تجارب التنظيمات الثورية فى السلطة، وحين حكمت بمفردها، معتمدة على عقيدة ثورية، أسست لنظم استبدادية لم يبق منها تقريبا نظام واحد، فالحديث عن الماركسية اللينينية كعقيدة ثورية حكمت فى روسيا القيصرية وفرضت على أوروبا الشرقية عنى تاريخيا وجود أفراد وتنظيمات امتلكوا حصانة خاصة ما لبثت أن أنتجت نظما مستبدة باسم الثورة أو الاشتراكية. فالنظم أو التنظيمات التى أعطت لنفسها حصانة خاصة نتيجة عقيدتها الثورية انتهت من العالم مع بداية الألفية الثالثة فى حين أن ثورات الربيع العربى بدأت فى بداية هذه الألفية، وهو ما يعنى ضرورة أن تعى خطورة إعادة إنتاج نظم ثورية تكرس الإجراءات الاستثنائية تحت حجة الحفاظ على الثورة، كما فعلت نظم عربية وعالمية كثيرة، فالمطلوب هو بناء نظام سياسى ديمقراطى ودولة قانون ومؤسسات تؤمن بالثورة ومبادئها وليس نظما ثورية. والمؤكد أن «الثورات الإصلاحية هى التى لم تعتمد على نظرية ثورية وأسست لتجارب تغيير مدنى وسلمى تقوم على تغيير النظام السياسى وإصلاح الدولة لا إسقاطها، وأن تجارب النجاح فى أوروبا الشرقية وأمريكا الجنوبية كلها سارت فى هذا الاتجاه، حتى لو كانت هناك فى الأخيرة تنظيمات شيوعية ويسارية كثيرة حرضت على الثورة، إلا أنها جميعا فشلت فى إسقاط الدولة، ولكنها لعبت دورا مهما فى تحويلها من دولة مستبدة إلى دولة سيادة قانون وديمقراطية. ولقد رأينا كيف وظفت التيارات السياسية قضية الثورة لصالح أغراضها الحزبية وحساباتها السياسية الضيقة فى بلد مثل مصر، فالإخوان حين كانوا فى السلطة تخلوا عن الآراء الثورية تماما وتحولوا كما كانوا تيارا محافظا يتحدث عن النظام والعمل والبناء، وبعد أن عادوا للمعارضة اكتشفوا فجأة ثوريتهم وحرضوا على العنف الثورى وتحدثوا عن وحدة معسكر الثورة وغيرها من المفردات التى وظفت الثورة حسب المصلحة السياسية. إن الثورة وسيلة وليست هدفا، وهى طريق لتحقيق التقدم والتنمية والرخاء، وقد تتحول فى حال انحرافها عن مسارها إلى عامل هدم وفوضى، وأن تجارب التغيير الناجحة هى التى قدمت بديلا سياسيا واجتماعيا للناس أفضل من النظام القديم، فى حين أن التجارب الفاشلة هى التى عجزت عن أن تقدم ذلك. ولذا فإن التحدى الذى تواجهه مصر والبلاد العربية هو كيفية العمل على بناء نظام سياسى جديد مؤمن بأهداف الثورة، ويعمل على تحقيق الديمقراطية والتنمية والعدالة الاجتماعية، ولا يؤسس لنظام ثورى يعطى لنفسه حصانة خاصة فوق الناس باسم الثورة، فالمطلوب تطبيق القانون بكل حسم مع المخالفين لأحكامه لا البحث عن استثناءات أو حصانة خاصة لنظام أو مؤسسة أو جهة، فالشرعية الثورية كما علمتنا تجارب التاريخ تبدأ كطريق لمواجهة خصوم الثورة بإجراءات استثنائية، وتنتهى بمواجهة بين أبناء تيارات الثورة أنفسهم بنفس الإجراءات، ولذا فإن شرعية النظم السياسية الجديدة فى العالم العربى يجب أن تستند فقط على الدستور والقانون.

GMT 05:50 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

هل لديك الشجاعة؟!

GMT 05:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

الأدوات السياسية

GMT 05:46 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

كيف نتصدى لإيران في الخليج؟

GMT 05:31 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"الممر"

GMT 05:28 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

عيون وآذان (إسرائيل تتآمر على ما بقي من فلسطين)

GMT 02:12 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

«صاحبة الجلالة» ليست دائماً بريئة!

GMT 02:05 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرجيلة «حزب الله» وجمر إيران!

GMT 01:46 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

شرعية الإنجاز

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل هناك ثورات إصلاحية هل هناك ثورات إصلاحية



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 12:48 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على تاريخ مصر القديمة في مجال الأزياء والموضة

GMT 03:59 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة في حادث الاعتداء على هشام جنينه

GMT 10:53 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

العلماء يحذرون عشاق "شاي الأكياس" من المخاطر الصحية

GMT 15:26 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

ميلان يضع خُطة لإعادة تأهيل أندريا كونتي

GMT 09:19 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

وصول جثمان إبراهيم نافع إلى مطار القاهرة من الإمارات

GMT 08:13 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

التغذية غير الصحية كلمة السر في الشعور بالخمول

GMT 09:09 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

طارق السيد ينصح مجلس إدارة الزمالك بالابتعاد عن الكرة

GMT 00:47 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

أمن الإسماعيلية يرحب باستضافة المصري في الكونفدرالية

GMT 18:22 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

القدر أنقذ ميسي من اللعب في الدرجة الثانية

GMT 09:28 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

عرض فيلم "نساء صغيرات" في الإسكندرية
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon