عمرو الشوبكي
شاهدت مؤخراً فيلم «لا مؤاخذة»، وهو ثالث فيلم مصرى طويل أشاهده على مدار 3 سنوات، واتسم بحبكته السينمائية الرائعة وحسه الإنسانى وتميز أداء ممثليه، قدم فيه مخرجه الشاب عملاً بديعاً عبر عن الواقع بلغة السينما، وابتعد عن لغة الوعظ والمنشور السياسى وقدم سينما المجتمع القريبة من القلب والعقل معا.
مخرج الفيلم عمرو سلامة واحد من ألمع شباب جيله، وسيكون فى المستقبل القريب واحداً من أكبر مخرجى مصر، وقد عرفته حين شارك فى حملتى الانتخابية لمجلس الشعب فى 2012، واقترح أن أحول بعض مقالاتى التى نشرتها قبل الثورة إلى رسائل مصورة، وأشرف متطوعاً على هذا العمل، وبعد نجاحى فى الانتخابات قابلته أكثر من مرة وأبدى اعتراضه على غيابى عن أدوات التواصل الاجتماعى Social media، وعدم وجود حساب على تويتر وعدم تفعيل صفحة الفيس بوك، وكنت مقدراً موهبته وطريقته فى الأداء ووعيه السياسى، ولكنى لم أكن أتوقع أن تكون بهذا الحجم إلا بعد أن شاهدت فيلمه الأخير.
الفيلم يحكى قصة صبى مسيحى (كاثوليكى) وهو يعنى ضمناً أنه ضمن شريحة اجتماعية أعلى مصريا ومسيحيا، مشكلته كانت الهمزة التى تنقص هذا الصبى المتفوق والمهذب هانى عبدالله.
لقد كانت همزة هانى المفقودة فى النصف الأول من الفيلم- كما وصفتها د. نيفين مسعد- تتلخص فى الحصول على الأمان، بحيث لا يهينه أحد ولا يعتدى عليه زميل، وتصور أنه يمكن أن يضع الهمزة فوق أَلِفه بأن يندمج، لا بل بأن يذوب فى تلاميذ المدرسة الحكومية رغم أنه يختلف عنهم فى كل شىء من أول المستوى الطبقى إلى الانتماء الدينى.
أجمل ما فى الفيلم هو واقعيته وحسه الإنسانى المرهف، فالعمل السينمائى المبدع هو الذى يحدثك عن الواقع بلغة السينما لا أن يشعرك بغربة عنه على اعتبار أننا «بنمثل» ومن حق المخرج أن يقدم رؤيته الفنية الخاصة حتى لو كانت تخص ذاته فقط ولا علاقة لها بأغلب الناس الذى يعتبرهم من الجهلاء والدهماء.
عمرو سلامة فى فيلمه قرأ الواقع بلغة المبدع، فهذا هو حال المدارس الحكومية وحال طلابها الصالحين والطالحين، وغاص فى سيكولوجية طالب الإعدادى المسيحى ابن الطبقة الوسطى الذى اضطرته ظروفه بعد وفاه والده إلى الالتحاق بمدرسة حكومية، وكيف تعامل مع زملائه وتعاملوا هم مع طبقته الأعلى، وكيف تصرفوا بعد أن اكتشفوا أنه مسيحى.
ملفتة هى شعارات الأستاذ الناظر عن الوحدة الوطنية التى تذكرك بشعارات السلطة فى مصر عندما تنفصل تماما عن الواقع المعاش، فحين اعتدى زميل هانى عليه بالضرب لم يناقش أسباب الاعتداء الذى لم يكن بدوافع طائفية، إنما تحدث عن صديقه جرجس وهتف لثورة 19 وسعد زغلول وشعارات الهلال والصليب فى مشهد كاشف لحالة انفصال متكررة بين السلطة والناس.
«لا مؤاخذة» فيلم إنسانى بديع يفتح آفاقاً جديدة أمام جيل جديد من السينمائيين المصريين، فبالقدر الذى يعطينا أملاً فى مستقبل السينما يعطينا أملاً فى دور جيل جديد قادر على تغيير مستقبل هذا البلد.
نقلاً عن "المصري اليوم"