عمرو الشوبكي
ربما كان التعبير الأكثر شيوعا، الذى استخدمته مؤسسات الدولة وهيئاتها المختلفة أثناء وضع مواد الدستور، هو تعبير الاختصاص الذى يجب ألا يمس ولا يحتمل المراجعة أو النقد حتى بدا أمرا مقدسا لا يحتمل النقاش.
والحقيقة أن من حق أى مؤسسة أن تدافع عن اختصاصاتها، بل وتسعى للحصول على اختصاصات جديدة، بشرط أن يكون ذلك من أجل تطوير أدائها وتحقيق الصالح العام.
فخلاف الهيئات القضائية، مثلا، على الاختصاصات أمر قديم ووارد أن يتكرر مع الدستور الجديد، لكنه فى الحقيقة يجب أن يسبقه تفكير عميق فى مدى مساعدة هذا الاختصاص على تحقيق العدالة الناجزة، وليس فى «التكويش» على اختصاصات لا تفيد العدالة وتضرها على اعتبار أن هذا هو «ما ورثناه عن أجدادنا».
والحقيقة أن التمسك بالاختصاصات القديمة كأنها أمر مقدس، أو البحث عن اختصاصات جديدة دون أى سبب موضوعى، أمر فى غاية الضرر، وهى فلسفة تحكم عمل كثير من مؤسسات الدولة حتى أصبحنا أمام قبلية جديدة لا علاقة لها بقيم ومبادئ الدولة الحديثة.
والغريب أن المعارك الحقيقية التى خاضها كثير من مؤسسات الدولة داخل لجنة الدستور وخارجها كانت أساسا حول اختصاصاتها ورؤيتها الفئوية لتحقيق مصالحها، فى حين أن عدم الاهتمام هو الذى حكم حركتها فى أى قضية تخرج عن نطاق «الاختصاص».
والمفارقة أن من يعملون داخل الدولة أو يمثلون بعض هيئاتها داخل لجنة الخمسين (10 أعضاء)، كانوا فى كثير من الأحيان متعارضين فى آرائهم وتصويتهم فى قضايا مصيرية، إلا القضايا التى تتعلق باختصاصاتهم، فهنا كان الدفاع مستميتا، لأن الأمر يتعلق بالكلمة السحرية «اختصاصى».
خطورة التمسك بالاختصاص لمجرد أنه كذلك، أو انتزاع اختصاص غير مستحق أمر يمنع هذه المؤسسات من التطور والتجديد، ويتحول الاختصاص من وسيلة لتحقيق هدف هو قدرة هذه المؤسسات على إنجاز عملها بكفاءة وفاعلية إلى عائق حقيقى لتحقيق هذا الهدف، لأن الاختصاص تحول إلى هدف وقيمة فى حد ذاته.
الاختصاصات المقدسة أمر ضار بالجميع، سواء كان ذلك ينسحب على المؤسسات والهيئات الحكومية أو غير الحكومية، ففكرة «الاختصاص فوق الجميع» تعنى الجمود والبقاء فى المكان، فلا توجد مؤسسة فى العالم تفرح بأن اختصاصاتها لم تتغير على مر السنين، فالطبيعى أن تتخلى عن أشياء وتكتسب أخرى، إلا إذا كانت مؤسسة جامدة لا ترغب فى التطور، إنما البقاء فى المكان.
يجب ألا يكتب الدستور بروح فئوية تقوم على إرضاء كل فئة بمادة تؤكد اختصاصاتها، فيتحول إلى مواد لمجاملة هذه الفئة أو تلك، فيجب أن يعرف كل المدافعين عن اختصاصاتهم أو الراغبين فى انتزاع اختصاصات وحقوق ليست حقوقهم أن ينظروا إلى الصورة العامة أولا، ويسألوا أنفسهم: هل سيضيف الاختصاص شيئا للصالح العام وللناس أم لا؟ إذا كانت الإجابة بـ«نعم» فمرحبا به، وإذا كانت بـ«لا» فيجب أن يتخلوا عنه بمحض الإرادة ودون ضجيج.
نقلاً عن "المصري اليوم"