عمرو الشوبكي
هزيمة المنتخب المصرى الثقيلة أمام غانا أمس الأول أحبطت الكثيرين وأثارت ردود فعل غاضبة اعتدنا عليها عقب كل خسارة رياضية، وتبدأ بالمطالبة بإقالة المدرب ومحاسبة المقصرين وتنتهى بحل اتحاد الكرة.
والحقيقة أن هزيمة المنتخب الوطنى على يد غانا بهذه النتيجة الاستثنائية فى تاريخه (1/6) لم تأت من فراغ، رغم أنها أمر وارد فى كرة القدم، وذلك لأن الأوضاع السياسية والاجتماعية والرياضية فى مصر تقول إن هزيمة المنتخب أمر يكاد يكون حتمياً، وقد تدفعنا نتيجتها القاسية لبحث أسبابها خارج الملعب وبعيدا عن المدرب واتحاد الكرة.
والحقيقة أن نتيجة هذه المباراة يجب أن تكون رسالة للجميع فى البحث فى دفتر أحوال الوطن على مدار أكثر من عامين لنعرف أن هذه النتيجة هى محصلة طبيعية لمسار وربما مخاض أوصلنا إلى هذا الفشل الكبير بعد أن اخترنا أن نحصر اهتماماتنا فى الشكليات والهوامش ونسينا المضمون، وتصورنا بعد ذلك أننا يمكن أن نحقق إنجازاً حقيقياً على أرض الواقع وفى أى مجال.
والسؤال الأساسى هل هناك دورى حقيقى فى مصر منذ ثورة 25 يناير أو طوال حكم الإخوان؟ والإجابة أقرب إلى لا حتى لو كانت هناك مباريات فى الدورى تقام أحيانا، فكرة القدم هى صناعة متكاملة وليست تقسيمة شارع بين أصدقاء «حريفة» يتسلون بإقامة مباريات فيما بينهم، إنما هى صناعة تضم لاعبين وجماهير وإعلاما ونقادا وروابط رياضية ومشجعين وإعلانات.
والحقيقة أن ما جرى فى مصر نتيجة انفلات الأوضاع الأمنية كان عبارة عن دورى غير منتظم يقام بلا جماهير، توقف أكثر من مرة، وغاب النقاد الرياضيون على سوءات بعضهم عن لعب أى دور يذكر فى نشر الثقافة الرياضية، واختفت الدعاية التى كثيرا ما بثت روح التنافس بين الفرق، ووظف بعض أو كثير من جماهير الكرة وروابطها داخل «الخناقة السياسية»، واتهم بعضها بالتظاهر مع الإخوان أو ضدهم أو بحرق مقر اتحاد الكرة، أو بالتحريض على رئيس ناد أو مجلس إدارة، أو بتحويل قضية شهداء الرياضة فى بورسعيد إلى حرب بين القاهرة وبورسعيد.
ولعل ما جرى فى شارع صلاح سالم وأمام مطار القاهرة الأسبوع الماضى بين ألتراس أهلاوى ورجال الأمن وقبله ما جرى أمام نادى الزمالك بين ألتراس الفريق الأبيض والشرطةـ يدل على حجم الأزمة الحالية، فقد ذهب الأول لاستقبال فريق الأهلى لكرة اليد وتحول الاستقبال الشعبى والودى كما كان يجرى فى الماضى وفى كل بلاد الدنيا إلى ساحة حرب ومواجهة مع رجال الشرطة أسفرت عن اعتقال 25 «مشجعاً» سابقاً وناشطاً سياسياً حالياً.
وعاد الألتراس واحتجوا على اعتقال زملائهم وتظاهروا أمس الأول فى ميدان صلاح سالم وقطعوا الطريق وأتلفوا سيارات وألقى القبض على 19 آخرين بسبب هذه المظاهرة الاحتجاجية.
والسؤال: كم مرة تحدثنا عن الألتراس كروابط لدعم الرياضة كما كان يحدث فى الماضى؟ الإجابة تكاد تكون صفرا، فلا يتذكر أحد أننا تحدثنا عن الألتراس فى سياق رياضى كما كان يحدث (رغم شكوى البعض من تعصبهم) إنما دائما فى سياق سياسى، فهم متهمون بالولاء لخيرت الشاطر وجماعة الإخوان المسلمين، وأنهم نسوا دورهم الرياضى وتحولوا إلى أبطال سياسيين منذ أن احتفل بعض الثوار بوجودهم فى ميدان التحرير وحذرنا أكثر من مرة من مسألة خلط الأوراق بين مؤسسات وروابط لا يجب أن تكون طرفا سياسيا وحزبيا وبين النشطاء السياسيين، ودارت الأيام وتحول بعضهم إلى خصوم لشباب الميدان ورفعوا نفس شعارات الإخوان.
إن مصر منذ أكثر من عامين تتحدث فى الشأن الرياضى بصورة لا علاقة لها بالرياضة، فالحديث كله يدور حول تأمين الملاعب والاستاد الذى ستجرى عليه المباراة وعدد الجماهير المسموح لها بدخول الملعب، وما إذا كانت المباراة ستعقد على ملاعب القوات المسلحة أم فى ملاعب أخرى، وفشلنا فى التعامل مع الألتراس، واعتبرهم الكثيرون عنصر شغب وليس عنصر دعم للرياضة والأندية، ولم نسمع حوارا جادا حول تطوير الرياضة وتطوير الكرة، وكيف نستعيد هذه الصناعة مرة أخرى فى ظل الظروف الصعبة التى تمر بها البلاد.
إن النقاش العام فى مجال الرياضة مثل النقاش العام فى المجال السياسى لم يكن له علاقة بأى مضمون، إنما صريخ واحتجاج، فلم نتحاور مع الألتراس ولم نقل لهم نختلف معكم فى هذا وذاك وعليكم احترام القواعد والقوانين حتى لو لم تحبوها، إنما اتهمناهم بأنهم مدعومون من هذا الفصيل أو ذاك، دون أى نقاش يعيدهم إلى مسارهم الأول الداعم للكرة والرياضة ولا أقول يقربهم من المسار السياسى الحالى لأن الأفضل لمن عشقوا الرياضة والكرة أن يظلوا داعمين لها لا أن يصبحوا طرفا سياسيا وهم ليسوا حزبا.
إن تسييس الرياضة فى مصر وتحويلها من ساحة تنافس تحكمها القواعد والقوانين واللوائح إلى ساحة حرب تحكمها الفوضى ويحاول أن يضبطها فقط الأمن جعلا نتيجة المنتخب المصرى فى غانا منطقية لمجتمع نسى أن مهمة الفريق الوطنى رياضية بالأساس، وأن من يسترجع النقاش العام فى مصر مؤخرا حول كرة القدم سيكتشف أنه فى غالبيته الساحقة لم يكن له علاقة بكرة القدم كلعبة وصناعة إنما بالحواشى المسهلة لنجاح هذه اللعبة (تأمين الملاعب مشاكل الألتراس وغيرها)، فتهنا فيها ونسينا اللعبة مثل الطبيب الذى ضحى بالأم لكى يموت الجنين.
إن فشلنا فى غانا يعكس فشلاً أكبر فى الداخل وهو شبيه بحديث البعض عن قانون التظاهر الجديد واعتباره ردة عن مبادئ ثورة 25 يناير، متصورا أن الثورة قامت فقط لكى تحفظ لسيادته حق التظاهر لا أن تضمن لقمة عيش كريمة للمصريين وتؤسس لدولة منتجة تجعل التظاهر حقا لا يأتى على حقوق الآخرين، فقضية بناء نظام سياسى جديد أكبر بكثير من قضية حق التظاهر السلمى (الذى هو حق) تماما مثل قضية نهضة الرياضة وبناء فريق كروى قوى يتجاوز بالتأكيد الحديث عن أيهما أكثر أمنا إقامة المباراة فى استاد برج العرب أم الكلية الحربية، وماذا سنفعل مع الألتراس.
فهل سنعى الرسالة ونعرف الأسباب الحقيقية وراء هزيمتنا الثقيلة أمام غانا، أم نستمر فى طرح أسئلة الهوامش حتى لا نسمع الإجابات الحقيقية؟
نقلاً عن "المصري اليوم"