عمرو الشوبكي
يتصور البعض أن النظام الأمثل فى مصر هو نظام مختلط أقرب للبرلمانى، تقلص فيه صلاحيات رئيس الجمهورية إلى أدنى حد، وتوضع شروط يمكن أن توصف بالعنصرية تتعلق بجنسية والديه وأبنائه، حتى يمكنه الترشح للمنصب الرفيع، وذلك خوفا من الرئيس المستبد أو الاختراق الخارجى.
وفى نفس الوقت- وتلك هى الكارثة- يطالب بانتخاب رئيس الجمهورية من الشعب فى انتخاب حر مباشر، وينسى أو يتناسى أن كل النظم السياسية التى ينتخب فيها الرئيس من الشعب تكون رئاسية، وأن حجم التوقعات التى ينتظرها شعب ينتخب رئيسه تختلف جذريا عن حجم توقعاته حين ينتخب البرلمان رئيسه كما فى النظم المختلطة القريبة من النظام البرلمانى.
والمؤكد أن أسوأ النظم السياسية التى يمكن أن تعرفها مصر هى تلك التى تفترض أن النظام الأمثل هو الذى يأخذ من كل نظام زهرة أو قطعة ويصنع خلطته غير السحرية التى تكون أقرب إلى المصطلح المصرى الشهير «سمك لبن تمر هندى»، فتخلق نظاما عاجزا عن الإنجاز والعمل.
صحيح هناك خوف من مرارات النظم السابقة التى ادعت أنها رئاسية، وكانت نظما استبدادية بامتياز، فنظام مبارك لم يكن نظاما رئاسيا بالمعنى المعروف فى النظم الديمقراطية، إنما كان نظاما استبداديا، وإن للنظام الرئاسى قواعد وضمانات تضمن عدم تغول السلطة التنفيذية والرئيس على السلطتين التشريعية والقضائية، وتضمن أيضا الفصل بين السلطات الثلاث. أما نظام مرسى فلم يعان الشعب من رئيس مستبد إنما من جماعة مستبدة، وسيكتب التاريخ أن مرسى كان رئيسا ضعيفا، وأن هتاف الشعب لم يكن ضد حكم مرسى، إنما كان «يسقط يسقط حكم المرشد» فى دلالة رمزية بليغة.
والحقيقة أن النظام الرئاسى الديمقراطى يقوم على إعطاء صلاحيات واسعة، ولكن غير مطلقة، لرئيس الجمهورية، باعتباره رأس السلطة التنفيذية، كما أن الرئيس محدد حكمه بمدتين غير قابلتين للتمديد، ويقوم باقتراح القوانين التى تشترط موافقة البرلمان عليها، كما أن هناك نظماً رئاسية تعطى بعض الصلاحيات لرئيس الوزراء، مثل فرنسا، وتُعرف بالنظم شبه الرئاسية وهى الأقرب للواقع المصرى.
المؤكد أن البعض يتصور أن حل مشكلة الرئيس المستبد يكون باقتسام السلطات بينه وبين رئيس الوزراء، وهو أمر غير موجود فى فرنسا التى تعرف نظاما شبه رئاسى، فرأس السلطة التنفيذية هو رئيس الجمهورية وليس رئيس الوزراء، لأن فلسفة النظام الرئاسى لا تقوم على إضعاف السلطة التنفيذية وانقسامها بين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، إنما فى التوازن بين السلطات الثلاث، والحفاظ على صلاحيات الرئيس وقدرته على الفعل والحركة ومساءلته وحسابه أيضا.
إن انتخاب رئيس جمهورية من الشعب، ثم سحب أغلب صلاحياته لصالح رئيس وزراء منتخب من البرلمان سيكون هو الاختيار الأسوأ بالنسبة لمصر، فإما أن يُنتخب رئيس الجمهورية من البرلمان ونتحول إلى نظام برلمانى (وتلك كارثة)، أو أن ينتخب من الشعب ونكون أمام نظام رئاسى ديمقراطى أو شبه رئاسى (بوجود رئيس وزراء لديه بعض الصلاحيات) يكون هو أساس جمهوريتنا الثانية الجديدة.. وهذا هو الاختيار الأفضل.
نقلاً عن "المصري اليوم"