عمرو الشوبكي
البعض يتصور أن كتابة الدستور هى فرصة للحصول على مكاسب فئوية، وهو أمر مشروع فى النضال الحزبى والنقابى، أما فى كتابة الدساتير فالأمر يختلف تماما، لأن المدخل هو المبادئ والقيم العامة التى تحفظ حقوق هذه الفئات، باعتبارهم مواطنين وأبناء لهذا الشعب، وليسوا فئات منفصلة عنه يبحث كل طرف فيها عن مكسب صغير هنا أو هناك، يتصور أنه سيحميه ولو على حساب الصالح العام.
صحيح أن الفئات الأضعف، وليست الأقوى، هى التى يتم تمييزها فى بعض الدساتير بالنص، إما على أنها الأولى بالرعاية من خلال نصوص تدعم حقوقها الاقتصادية والاجتماعية والدينية، أو عن طريق النص فى الدستور على نظام للتمييز الإيجابى لهذه الفئات فى أى انتخابات تجرى.
وفى كلتا الحالتين الهدف ليس مكاسب فئوية بالمعنى الضيق لهذه الفئات، إنما السماح لها بالتمكين لصالح المجتمع وتوظيف طاقاتها لصالح تقدم الوطن ككل.
وفى مصر هناك من يرغب من الفئات المميزة أن يكون أكثر تميزاً عن طريق وضع مزيد من المميزات فى الدستور، وهناك من يريد أن يعطى لنفسه حصانة خاصة تعزله عن باقى المجتمع.
إن الدساتير الملهمة فى تاريخ الشعوب ليست هى التى تكتب نصا جامدا لا يؤثر فى الواقع، وتكتبه الفئات الأقوى على حساب الفئات الأضعف، إنما هى الدساتير التى تنطلق من مصالح الأمة العليا ومن أجل حماية حقوق الجميع وليس فئات بعينها.
وحين تفشل أمة فى التوافق على دستورها، فإن هذا يعنى بداية فشل تجربتها الديمقراطية، وحين تفشل تجربتها الديمقراطية ستجد من يقول همساً أو صراحة إن هذا الفشل بسبب عدم استعداد الشعب لتقبل الديمقراطية، وفى الحقيقة هذا فهم قاصر ويخفى غياب الرغبة فى تحديد مسؤولية الفشل السياسى والدستورى، لأن الديمقراطية طريق له قواعد تساعد الشعوب على الالتزام بها، وفى مصر فعلنا عكس هذه القواعد وبعدها قلنا- أو قال بعضنا- إن المسؤولية هى مسؤولية الشعب المصرى.
وإذا كان من المؤكد أن هناك آلية واحدة وُضعت لاختيار ممثلى الأحزاب فى لجنة الـ50 المنوط بها كتابة الدستور فى مصر على غير نظام المحاصصة السابق، وقدمت الأحزاب الليبرالية 2 من ممثليها، واليسار واحدا، والتيار القومى واحدا، وكان يفترض أن يكون هناك تمثيل مواز للأحزاب الإسلامية إلا أنها رفضت جميعها المشاركة باستثناء حزب النور، وهنا كان يجب أن يكون تمثيله فى اللجنة 2 بدلا من واحد، حتى يطمئن قطاع من الشعب المصرى ويتأكد أن المعركة الحالية ليست لصالح «فئة مدنية» ضد «فئة إسلامية» أو أنها معركة العلمانية ضد الإسلام، كما يتوهم البعض ويروج ظلماً وبهتاناً.
يجب ألا يكتب الدستور بروح فئوية تقوم على إرضاء كل فئة بمادة «تكرم» بها، فيتحول الدستور إلى مواد لمجاملة هذه الفئة أو تلك، فتصبح هناك مواد للسلطة القضائية لأنها لم تمثل فى لجنة الدستور، وأخرى للقوات المسلحة حتى لا تغضب، وثالثة للشرطة التى تحاول أن تتعافى، ورابعة للإسلاميين حتى لا ينسحبوا من اللجنة، وخامسة للمدنيين لأنهم أغلبية فى لجنة الـ50.
يجب أن يكتب الدستور من أجل الحفاظ على حقوق كل فئات المجتمع باعتبارهم جزءاً من الشعب، وليس لأنهم أوصياء عليه أو مميزون عنه.
نقلاً عن "المصري اليوم"