عمرو الشوبكي
إذا أكرم الله مصر فى يوم من الأيام وأصبحت دولة ديمقراطية، فإن الشرط الأول لإتمام عملية التحول الديمقراطى هو وجود دولة وطنية، قوامها فى الحالة المصرية وجود جيش وطنى وليس جيش النظام ولا الحزب ولا القبيلة ولا العائلة الحاكمة والمؤكد أن فى مصر دولة وطنية وجيشا وطنيا بصرف النظر عن أنها فى حاجة إلى إصلاح، وأنه لا يمكن بناء الديمقراطية بدون دولة، وهذا ما عرفته تجارب التحول الديمقراطى فى العالم كله حين غاب عن أى تجربة ناجحة تحدى سقوط الدولة أو تفككها، إنما كان التحدى هو كيفية تحولها من دول استبدادية إلى ديمقراطية، وهذا ما جرى فى أوروبا الشرقية وأمريكا الجنوبية وآسيا، بجانب بلاد مثل تركيا وماليزيا وإندونيسيا وإسبانيا والبرتغال واليونان وغيرها صحيح أن العالم عرف مؤخرا تجارب سقوط الدولة وتفكيك جيشها بادعاء أن هذا هو طريق بناء الدولة الديمقراطية، فغزت أمريكا العراق وهدمت الدولة والجيش العراقى، والنتيجة كان ما يقرب من مليون قتيل، وبنيت دولة فاشلة رغم أنها دولة نفطية غنية، وفى ليبيا حين سقط نظام القذافى سقطت معه الدولة، لأنه لم يكن هناك دولة من الأصل، وسقط 50 ألف قتيل ومازالت عملية بناء الدولة- فى بلد نفطى تعداده 5 ملايين نسمة- متعثرة ومع أخطاء الأجهزة الأمنية الكثيرة فى عهد مبارك لم ير الكثيرون فارقا بين الدولة والنظام، واعتبر البعض أن الدولة والنظام السياسى شىء واحد، رغم أن الأولى يجب أن تكون محايدة ومستقلة ولا تتغير بتغير أهواء السياسة، أما الثانية فهى متغيرة تبعا للتوجه السياسى للحكومة المتغيرة وسياساتها، ولولا أن الجيش المصرى قد أثبت مرتين أنه جيش الدولة وليس النظام، حين تخلى عن مبارك لصالح بقاء الدولة، ثم عن مرسى الذى أراد تغيير طبيعة الدولة الوطنية عقب انتفاضة 30 يونيو، لأصبح هذا الخلط بين النظام والدولة راسخا فى ذهن الكثيرين صحيح أن الدولة الوطنية تعرضت عقب مجىء مرسى للحكم لتهديد جديد، حيث سعت الجماعة للهيمنة عليها بغرض تغيير طبيعتها وأخونتها، وهو ما دفع الكثيرين إلى نسيان مرارتهم القديمة مع مؤسسات الدولة، بعد خبرة طويلة من الفشل وسوء الإدارة، لأنهم شعروا بأن معركتهم الآن ليست مع دولة استبدادية، إنما مع خطر السقوط فى براثن «لا دولة»، وهو الأمر الذى فى حال حدوثه سينهى ليس فقط فرص بناء الديمقراطية فى مصر، بل سيقضى على مستقبل هذا البلد لأجيال قادمة إن الدعم الشعبى المذهل لجنود الشرطة والجيش من قبل غالبية أبناء الشعب المصرى يؤكد أن الشعور الفطرى للمصريين كان دائما لصالح الحفاظ على الدولة، وفى نفس الوقت فإن الطاقة التى فجرتها ثورة 25 يناير يجب أن تؤدى إلى عدم إدارة هذه الدولة بالطريقة القديمة وضرورة العمل على إصلاح مؤسساتها وتطوير أدائها إن رفض الشعب لحكم الإخوان لم يعكس فقط رفضه لسياسات مرسى وفشله المروع فى كل الملفات، إنما أيضا شعوره بأن دولته التى بناها على مدار قرنين بالعرق والدماء صارت مهددة، وأن الفرحة العارمة التى تجمع اليوم الدولة والشعب بعد كل اعتداء وحادث عنف يقوم به أنصار الإخوان تؤكد تمسك الشعب المصرى بدولته الوطنية لا يمكن أن تصبح مصر بلدا ديمقراطيا مزدهرا بدون دولة وطنية، وإن هناك بلادا دفعت ملايين الضحايا نظرا لغياب هذه الدولة، أو ثمنا لإسقاطها وتفككها علينا أن نحافظ على دولتنا ونصلحها، فهى طريقنا الوحيد لبناء الديمقراطية.