عمرو الشوبكي
حكومة رجب طيب أردوجان من أكبر الداعمين لحكم الإخوان فى مصر، ومن أكثر الرافضين لنتائج انتفاضة الشعب المصرى فى 30 يونيو، ومع ذلك هى من أكثر التجارب التى سارت فى طريق يكاد يكون عكس مسار الإخوان.
فبعد أن قام الجيش التركى بانقلابه الناعم فى 1997 ضد حكومة مؤسس الحركة الإسلامية التركية الراحل نجم الدين أربكان، وتجربة خليفته رجب طيب أردوجان تسير فى مسار عكس ما فعله الإخوان فى مصر، وعكس ما فعله أربكان.
فقد أسس أردوجان حزبا جديدا أحدث قطيعة مع تجربة أستاذه وحزبه الرفاه، وتمسك الرجل بدولة القانون التى لا تصفى حساباتها مع الدولة العميقة، مثلما حاول مرسى أن يفعل فى مصر، إنما إصلاحها بشكل تدريجى.
لقد نجحت تركيا فى أن تفرض على كل أطراف الساحة السياسية، بما فيها الجيش والإسلاميون، احترام القانون بصرف النظر عن رأيهم فيه، فتركيا- كما هو معروف- أسست نموذجا علمانيا متطرفا فى بعض جوانبه، لكنه ظل محكوما بقواعد قانونية ودستورية، بما فيها تلك التى تعطى للجيش حق التدخل فى العملية السياسية إذا رأى تهديدا للأمن القومى (تغيرت الآن).
وإذا كان من الوارد مقارنة نشأة الجمهورية المصرية بنظيرتها التركية فى بعض الجوانب، فالجيش فى كلا البلدين قام بتأسيس الجمهورية، وهناك احترام شديد لوطنيته ودوره فى مصر وتركيا، كما أن كلا من جمال عبدالناصر ومصطفى كمال أتاتورك ينظر إليهما باعتبارهما بطلى تحرر وطنى، بعيدا عن تقييم نظامهما السياسى، إلا أن تركيا امتلكت «روشتة النجاح» بوجود تيار ذى مرجعية حضارية إسلامية، راجع أخطاءه وعدل عن كثير منها.
إن خبرة التيارات الإسلامية فى تركيا، وعلى عكس خبرة الإخوان فى مصر، قامت على النقد الذاتى والمرجعة النقدية، وهو ما أنتج فى النهاية حكومة قادرة على الإنجاز الاقتصادى والسياسى، تؤمن بقيم الإسلام والعلمانية معا.
أهم ما قام به رجب طيب أردوجان هو بناء حزب جديد يختلف، فى رؤيته الفكرية والسياسية، عن تلك التى قامت عليها كل الأحزاب الإسلامية فى تركيا والعالم العربى، وأسس لمرحلة جديدة (اقتربت من نهايتها) سعت عمليا إلى أن تكسر صدام العلمانية- الإسلام فى تركيا الحديثة. فلم يصنف نفسه من الأساس باعتباره حزبا «إسلاميا ديمقراطيا»، كما فعل أربكان، إنما «محافظ ديمقراطى»، وأعلن تمسكه بالعلمانية، لكنه طالب بأن تكون علمانية على الطريقة الأوروبية، أى تفصل بين الدين والدولة، ولا تتدخل الثانية فى أمور الأولى، كما تفعل العلمانية التركية التى قامت فيها الدولة بقهر المؤسسات الدينية. وربط حديثه عن القيم الإسلامية بـ«المحلية التركية»، وصار الحديث عن الثقافة والخصوصية التركية مرادفاً، ولو ضمنا، للحديث عن القيم الإسلامية، دون أن يتبنى تطبيق الشريعة الإسلامية، معتبرا أنه «حين توجد مصلحة الناس يوجد شرع الله».
تجرية أردوجان هى تصحيح لمسار التيارات الإسلامية التركية، فوصل للسلطة ونجح، وبعد 11 عاما قضاها فى الحكم ظهرت عيوب نظامه، أما إخوان مصر فقد فشلوا، بعد أقل من عام، فشلا ذريعا، ومع ذلك لم يقل واحد منهم علنا إننا أخطأنا وعلينا أن نراجع أنفسنا ونعمل على بناء مشروع جديد، وتلك أزمة الإخوان الأزلية منذ 85 عاما.
نقلًا عن جريدة "المصري اليوم"