عمرو الشوبكي
لا أنكر أن كثيرا من معارضى مبارك وجدوا فى قناة الجزيرة نافذة لهم طوال العقد الماضى، وأذكر أن رفض التوريث وإدانة انتهاكات الأمن وقضايا أخرى تحدثت فيها عبر الجزيرة، حين كانت ساحة للتعبير عن كثير من الآراء المعارضة لسياسات مبارك، صحيح أن بعض ما قيل فى الجزيرة قيل أيضا فى قنوات مصرية خاصة، إلا أنه سيحسب لها طوال عهد مبارك وبن على والقذافى أنها قدمت كثيرا من وجوه المعارضة للمشاهد العربى.
وجاءت ثورة 25 يناير وانحازت الجزيرة بشكل واضح للثورة، وتغاضينا جميعا عن أدائها التحريضى وغير المهنى، لأن خطابها كان على هوانا السياسى.
وقد ذكر صديقنا هانى رسلان، الخبير السياسى المعروف، أن الجزيرة قد أعلنت أثناء ثورة 25 يناير أن هناك مظاهرة حاشدة فى مسقط رأسه بمدينة قنا، شارك فيها 30 ألف شخص، تطالب بإسقاط مبارك وأن ابنه كان مشاركا فيها وأن عددها لم يتجاوز الـ500 شخص!!
تحولت الجزيرة منذ ذلك التاريخ من قناة لها خط تحريرى فيه حد أدنى من القواعد المهنية إلى قناة محرضة وتقول إنها ثورية، ونسينا أنها تبث من دويلة قطر المنتشرة فيها القواعد الأمريكية والغارقة فى أموال الغاز والنفط ويحكمها نظام عائلى أو قبلى ملكى لا يمكن أن يكون مصدرا لأى قيم ثورية أو ديمقراطية.
الجزيرة التى عملت على إسقاط مبارك عملت على إبقاء مرسى بكل الوسائل، واتضح حجم انحيازها الفج ودفاعها المريب عن الإرهاب والعنف وتلفيقها سلسلة برامج وثائقية تعكس درجة من الكراهية للجيش والدولة والشعب.
«عند مطلع الفجر» فيلم وثائقى خبيث عن مأساة الحرس الجمهورى، يتحدث عن الضحايا الأبرياء الذين سقطوا أثناء المواجهة مع قوات الجيش والشرطة، ويقارن بتجارب أخرى يتم فيها التعامل التدريجى والسلمى مع المتظاهرين، ويتناسى أن فى هذه الحالة لم يحمل المتظاهرون السلاح، وفى الحالة المصرية أطلقوا النار على قوات الأمن.
الجزيرة هى القناة الوحيدة التى شاهدتها تنقل صور الضحايا المدنيين أمام الحرس الجمهورى من الخامسة والنصف صباحا دون أن تنقل صورة واحدة لمن أطلقوا النار على قوات الجيش والشرطة.
لابد من لجنة تحقيق مستقلة لكى نعرف الحقيقة أولا ومن المسؤول عن سقوط هذا العدد من الضحايا، وحتى لا نخضع لابتزاز الجزيرة أو غيرها.
مراسلة الجزيرة الإنجليزية رأيتها فى إحدى المرات وهى تتحدث من القاهرة فى موضوع لا علاقة له بنصف الصورة الآخر الذى ينقل صور المصابين فى المستشفى الميدانى برابعة العدوية، حتى بدا الهدف الوحيد هو كسب تعاطف المشاهد الغربى ولو بتزوير الحقيقة.
لقد خرست الجزيرة ولم تقل حرفا واحدا بحق تقارير المنظمات الحقوقية التى أدانت التعذيب فى اعتصامات الإخوان واستغلال الأطفال فى تظاهراتهم، وغيرها من الجرائم التى لم تشر لها القناة.
غريب أن الجزيرة لبثت ثوب الثورية فى عهد مبارك وصدقناها، وعادت وارتدت لا أقول ثوبا إخوانيا (فهذا قد أفهمه فى ظل الاستقطاب الحالى)، إنما ثوبا تخريبيا ومتآمرا على هذا البلد وشعبه، وكأن هدفه أن يرى مصر سوريا أخرى أو عراقا آخر أو ليبيا بلا دولة أو سودانا مقسما، ويفتح الباب أمام تدخل أجنبى مباشر يدمر ما تبقى من هذا البلد.
لم يسبق لى فى حياتى كلها أن قاطعت قناة إعلامية مهما كان خلافى مع سياستها التحريرية، وللأسف هذا ما قررته تجاه الجزيرة منذ 30 يونيو.
فكروا فى إعلام آخر غير الذى نراه الآن فى مصر، فقد عفا عليه الزمن وأصبح خارج المنافسة العربية والعالمية.
نقلاً عن جريدة " المصري اليوم "