مصر اليوم
مشكلة الجماعة مع الشعب المصرى لم تكن مجرد خلاف مع تيار حزبى أو سياسى وصل للسلطة وعارضه الناس، إنما مع جماعة سرية منغلقة على أعضائها ومنفصلة عن المجتمع والدولة معا.
لقد أصرت جماعة الإخوان المسلمين، بعد وصولها للسلطة، أن تظل سرية، ورفضت أن تقنن وضعها وتصبح جماعة شرعية، وفق قوانين الدولة التى تحكمها، وهو ما عمق الصورة الذهنية التى لا تخلو أحيانا من مبالغة عن أنها أقرب لطائفة تحكم البلاد من وراء الستار، ولديها خطط شريرة لهدم الدولة والبقاء الأبدى فى السلطة.
لقد أهدرت الجماعة الفرصة الثالثة، وهى فى الحكم هذه المرة لتطبع نفسها مع الدولة والمجتمع، بعد أن فشلت مرتين وهى فى المعارضة: الأولى فى نهاية العهد الملكى، والثانية فى عهد عبدالناصر، ودخلت فى مواجهات عنيفة مع السلطة القائمة حتى فى الفترة الليبرالية التى عرفت فيها الجماعة كيانا قانونيا ونشاطا اجتماعيا ودعويا واسعا، وأضاعت بذلك على مصر فرصا حقيقية لإنجاز تحول ديمقراطى، وتلك سابقة غير متكررة فى تاريخ الحركات السياسية، التى عادة ما تتعلم الكثير عند وصولها للسلطة، فى حين أن الجماعة سارت عكس الطريق الذى كان يجب أن تسير فيه بعد وصولها للسلطة، وأخذت البلد كله نحو الهاوية حين تعامل الناس معها باعتبارها جماعة وافدة أو طائفة أخرى حكمت البلاد.
وقد نسى الإخوان، طوال عام من حكمهم، أنهم جماعة قادمة من خارج الدولة التى اعتادت أن تقدم من يحكمون البلاد، من عبدالناصر إلى مبارك وحتى سعد زغلول قائد ثورة 1919، ضد الاحتلال البريطانى، فقد شغل منصب وزير المعارف (التعليم) قبل قيادته الحركة الشعبية، وأن خبرات النجاح تقول لنا إن أى قوى أو جماعة راديكالية تأتى من خارج المنظومة السياسية السائدة لابد أن تتبنى خطاباً مطمئناً، وإصلاحياً لهذه المنظومة السياسية التى صاغت ملامحها فى مصر «الدولة العميقة»، ولا تبدو أنها ستسيطر أو ستحتكر الحياة السياسية، وأنها ستكتب الدستور والقوانين الأساسية بمفردها، وتعادى الشرطة والقضاء والجيش وتدخل فى معارك مفتوحة مع السلطة القضائية، ذات التقاليد العريقة، ليس بغرض إصلاحها، إنما بغرض الهيمنة عليها، خاصة بعد أن أعدت الجماعة وحلفاؤها قانونا للسلطة القضائية يقضى بعزل 3500 قاضٍ بعد تغيير سن الإحالة للتقاعد من 70 إلى 60 عاما.
إن الغضب الشعبى الذى تزايد عقب وصول مرسى للسلطة وحتى عزله كان فى جانب رئيسى منه نتيجة الصورة الذهنية التى حملها كثير من الناس تجاه الجماعة التى يعيش أعضاؤها فى سرية ولديهم طقوسهم الخاصة، ولا يسمح لأحد بأن ينضم إليهم إلا بعد أن يمضى سنوات تحت الاختبار (لينتقل من أخ محب إلى أخ عامل)، ولا تعرف الدولة وأجهزتها الرقابية شيئا عن أموالها وميزانيتها حتى بدت كأنها طائفة منفصلة عن باقى المجتمع، وجعلت هناك حالة من التضامن الهائل بين الدولة والشعب فى مواجهة هذا الكيان الإخوانى المهيمن.
لم تفهم الجماعة الأبعاد السيكويولوجية لهذا السقوط المدوى، وهى تحتاج إلى جيل جديد يراجع بشكل جراحى فكرها وتاريخها، وهو أمر لم تقم به منذ نشأتها عام 1928 وحتى الآن.