مصر اليوم
إذا كانت الانتخابات الديمقراطية وشفافية الصندوق هما أساس شرعية أى نظام سياسى، إلا أنهما بالتأكيد ليسا الأساس الوحيد، فالنظم الحية هى التى تنجح فى دمج القوى السياسية الجديدة والشبابية داخل العملية السياسية والانتخابية ولا تستخدم الأخيرة كوسيلة لإقصائها.
إن الاحتجاجات التى تشهدها تجربتان من تجارب النجاح (البرازيل وتركيا) وحقق نظامهما الحاكم إنجازات اقتصادية وإصلاحات سياسية وديمقراطية هائلة، ومع ذلك لم يخل الأمر من وجود احتجاجات واسعة نظرا لوجود أجيال وتيارات جديدة لديها طموحات تتجاوز النخبة الحاكمة ولا تستطيع العملية الانتخابية دمجها فى العملية السياسية وتمثيلها بشكل جيد فى المجالس المنتخبة.
فالعملية السياسية الناجحة هى نتاج لنظام سياسى ناجح- وليس أساسا لانتخابات ناجحة- قادر على الانفتاح على الجديد الذى يتشكل داخل المجتمع، ويدمجه داخل العملية السياسية والديمقراطية ويدفعه إلى الاقتناع بجدوى المشاركة فى العملية السياسية والانتخابات، ويساعد القوى الجديدة والثورية على تغيير جانب من خطابها لتعترف بشرعية الصندوق والمسارين السياسى والشرعى، كما جرى فى تجارب النجاح مع التيارات الثورية اليسارية فى أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، وفى فرنسا مع ثورة الطلاب فى 1968، التى تحول معظم شبابها الثورى والشيوعى إلى قيادات فى أحزاب إصلاحية اشتراكية.
والحقيقة أن دور النظام السياسى هو خلق عملية سياسية فعالة وقادرة على دمج معظم القوى السياسية فيه، وهذا ما حدث عكسه تماما فى عهد مبارك وكان السقوط مدويا، بعد أن مارس عملية إقصاء كاملة لكل التيارات السياسية الفاعلة، وعلى رأسها التيار الإسلامى، ولو كان قد قام بدمج ولو جزئى لهذا التيار وأعطاه فرصة للتفاعل مع نظام سياسى ودولة ودستور وقوانين موجودة وشبه راسخة لكان هذا التيار قد تطور بشكل تدريجى أو على الأقل جانب كبير منه، ولكنا وجدنا تيارا إسلاميا ديمقراطيا ليس هدفه الوحيد الاستحواذ على السلطة وإقصاء الجميع كما فعلت جماعة الإخوان المسلمين.
وبما أن هذا لم يحدث فى عهد مبارك، وبما أنه أيضا لم يحدث فى زمن الإخوان، الذين أصروا على عدم الالتفات إلى كل من يطالبهم بمراجعة الأساس الذى بنيت عليه العملية السياسية، فكان السقوط المدوى فى 30 يونيو.
حيوية أى نظام سياسى لا تكمن فقط فى الارتكان على ماكينة انتخابية تضمن له الفوز فى أى انتخابات، مثلما تصور الإخوان، فتركيا التى يمكن اعتبارها تجربة نجاح يمكن وصف معضلة نظامها السياسى الذى يحتج قطاع من الأتراك عليه، فى وجود الحزب المهيمن وليس الحزب الدينى، القادر على الحكم عبر ماكينة انتخابية وسياسية كفء لسنوات طويلة ويضمن ما بين 50 و60 فى المائة من أصوات الناخبين، وهو ما حدث فى تجارب كثيرة ليست لها علاقة بالعالم الإسلامى ولا الإسلاميين، مثل جنوب أفريقيا مع حزب المؤتمر الوطنى الحاكم، وفى روسيا الاتحادية، وفى المكسيك لفترة طويلة من الزمن (استمرت 70عاما).
المطلوب من أى نظام سياسى ناجح ألا يعتمد فقط على صندوق الانتخابات، ويعمل على دمج القوى السياسية والاجتماعية الجديدة داخل بنية نظامه السياسى، ومن خلال عملية الدمج هذه «يعقلن» الجديد وينقله من الصوت الاحتجاجى إلى بناء البديل، ويتجدد النظام القائم عن طريق دمج هذه القوى الجديدة.
[email protected]