مصر اليوم
جاء عدد المتظاهرين، أمس الأول، محدودا فى ميدان التحرير وباقى ميادين مصر، بعد أن اعتبر البعض ما سماه البعض الفعاليات الثورية طريق التغيير الوحيد، وافتقر لأبسط القواعد العلمية والسياسية فى فهم قضية التغيير.
والمؤكد أن هناك التغيير الديمقراطى عبر صندوق الانتخابات، ويشترط وجود ضمانات قانونية ودستورية كافية، لا يرى قطاع واسع من المصريين أنها موجودة، وهناك الضغط السياسى، الذى يسفر عن تغيير فى معادلات السلطة والحكم، وقد يؤدى إلى إسقاط رؤساء وحكومات، دون أن يعنى ذلك تغيير النظام، لأن تغيير الأخير يتم عبر امتلاك رؤية وقدرة، لبناء النظام الجديد ليس فقط بالاحتجاج على القديم، وهذا جرى فى 25 يناير، حين نزل الشعب المصرى فى ثورة سلمية عظيمة دفعت مبارك للتنحى، وكان هناك توافق بين من شاركوا فى الثورة والأغلبية الصامتة التى رفضت مبارك، ولو من بيوتها، فنجحت الثورة فى إسقاطه.
وحين تغيرت هذه المعادلة، ودخلنا فى مرحلة الفعاليات الثورية والاحتجاجات السياسية مرة على «حكم العسكر»، ومرة على «لا دستور تحت حكم العسكر»، ومرة ضد القضاء، ومرة ضد حكومة الجنزورى، ومرة ضد البرلمان، ومرة ضد التمييز الطائفى، أصبحت الاحتجاجات انعكاسا لموقف فصيل أو فصائل، ولم تنل نفس التوافق الذى حدث فى 25 يناير.
ومع انتخاب الرئيس مرسى احتجّ البعض عليه ورفض حكمه، بعد شهرين من وصوله للسلطة، ودعا لمظاهرة فى شهر أغسطس لإسقاطه شارك فيها العشرات، إلى أن جاء الإعلان الدستورى الاستبدادى، وتوقعت الرئاسة أن يحتجّ المئات عليه، ففوجئت بمئات الآلاف من المصريين من كل الشرائح الاجتماعية، الذين خرجوا فى مظاهرات واسعة امتلأت بها الميادين والشوارع المصرية، لأن الناس شعروا من خلال قرار سياسى مباشر وملموس بأن حريتهم وكرامتهم مستهدفة، وأن الرئيس يكرس نظاما استبداديا جديدا.
فى المقابل، فإن كل الأنشطة والفعاليات السياسية التى استهدفت إسقاط الرئيس المنتخب، ولا يرى المواطن العادى أنها تدافع بشكل مباشر عن مصالحه، ومرتبطة بمشاكل واقعية وملموسة لن تنجح فى تحقيق أهدافها، فعلينا أن نتأمل معركة القضاء المصرى المحترم ضد إخوان الحكم، ودفاعه بصلابة عن مواقفه، حين شعر بأن مصالحه صارت مهددة، وأنه مستهدف بشكل مباشر، تماما مثلما فعل الجيش، حين خرج من المعادلة السياسية المباشرة، بعد أن أمّن مصالحه فى الدستور الجديد.
والحقيقة أن هناك تيارا واسعا من المصريين يرفض حكم الإخوان، ويشعر بأنهم خيّبوا آماله، ولكن هناك تيارا آخر واسعا رأى أن من ثاروا على النظام القديم ساهموا فى تسليم السلطة للإخوان، لأنهم اكتفوا بالاحتجاج والرفض، ولم ينجحوا فى بناء بديل ومؤسسة سياسية قادرة على الحكم، وبالتالى آثروا عدم المشاركة فى هذه الفعاليات، وظل التيار المؤيد للإخوان فى مواجهة المعارضين فى معادلة صفرية، لأن «الأغلبية غير الصامتة» لم تنزل فقط إلا مع الإعلان الدستورى، ومازالت تبحث عن بدائل أخرى تواجه بها حكم الإخوان، ولا تكتفى فقط بالاحتجاج.
المطلوب أن تحرص المعارضة السياسية على ربط مطالبها بقضايا ملموسة، كالدفاع عن القضاء فى معركته مع السلطة السياسية، ومواجهة من يدعمون الإرهابيين فى سيناء، ودعم ضحايا الإجراءات الاقتصادية القادمة التى ستصيب شرائح اجتماعية واسعة.
المطلوب أن نربط شعار التغيير بمشاكل الواقع، حتى يكون شعار الانتخابات المبكرة نتاجاً لحركة حقيقية فى الشارع، مرتبطة بمشاكل عموم الناس، وليس مجرد صوت احتجاجى لا يحصل من الناس إلا على التوقيع فقط.
[email protected]