مصر اليوم
انطلق قطار الإخوان إلى حيث يتصور أنه الاتجاه الصحيح، وقرر ألا يستمع للنصائح والانتقادات، وحسم أمره على أن هناك مسارا لابد من السير فيه حتى النهاية، مهما كانت الصعوبات والتحديات، وأن الحوار مع المعارضة أو الاستجابة لبعض مطالبها مضيعة للوقت، وأن عليه أن يقود المسيرة بمفرده، وتوقَّف حين لم يكن مطلوبا منه التوقف، وتحرك مسرعا فى عكس الاتجاه الصحيح.
مخطئ من يتصور أن الإخوان على استعداد لأن يتراجعوا عن أى خطوة اتخذوها إلا تحت ضغط فشل مُدَوٍّ وانفلات كامل، لأنهم ببساطة يتصورون أنهم موجودون فى الشارع وفى القرى والنجوع والأحياء الشعبية، فى حين أن المعارضة موجودة فى الفضائيات وفى أوساط النخبة، وهو أمر ليس صحيحا كليا، فهناك معارضة الفضائيات وهناك معارضة فى الشارع بعضها ينتمى لماكينة الحزب الوطنى القديم، وبعضها من تيارات شاركت فى الثورة، وباتوا جميعا يمثلون خطرا حقيقيا على الإخوان، لذا اكتشفت الجماعة، فجأة، ثوريتها بعد وصولها للسلطة لمواجهة هؤلاء «الفلول» وحلفائهم، رغم أن الثورية تكون عادة، قبل الوصول للسلطة وليس بعدها، كما أن وجود الإخوان فى الشارع لم يمنع فقدانهم جزءا كبيرا من رصيدهم، وسط بسطاء المصريين الذين طالما افتخروا بأنهم يعيشون بينهم.
حسبة الإخوان بسيطة، وتقوم على أن المعارضة ضعيفة وهشة، وتعتقد أن هناك ثمنا ستدفعه الجماعة فى سبيل تحقيقها هدفها فى السيطرة والتمكين، وعليها ألا تلتفت لانتقادات وتمرد البعض، من أجل تحقيق هذا الهدف، فالجماعة لن تستمع لأحد، لأنها تعتقد أنها على الطريق الصحيح، وأن الاستماع للآخرين تضييع وقت.
قطار الإخوان انطلق، وبدأ بالسير عكس الاتجاه، فبدلا من أن يشكل حكومة كفاءات مستقلة تضمن إجراء انتخابات حرة نزيهة شكل حكومة إخوانية ضمت منفذى أوامر الجماعة وأعضائها، وتحجَّج بأن المعارضة قررت عدم المشاركة.
إن هذا الاختيار عكَس مغامرة غير محسوبة للجماعة، حيث الإصرار على التمسك برئيس حكومة هو الأفشل فى تاريخ مصر، منذ عقود، قُتل فى عهده حوالى 100 متظاهر، و50 طفلا و30 مجندا ورجل شرطة داخل القطارات، نتيجة الإهمال والفشل فى حماية أرواح الناس، ولم يستقِلْ، ولم يحاسَب ولو سياسيا، إنما جُدِّدت الثقة فى حكومته.
لم تهتم الجماعة بأن تعترف بأن رئيسها جاء للسلطة بنسبة 51 ونصف فى المائة، وبأصوات من هم خارجها، وأن الدستور ينص على أن الحكومة لابد أن تنال ثقة الأغلبية البرلمانية، وفى غياب البرلمان يصبح من الواجب أخلاقيا وسياسيا أن تشكَّل هذه الحكومة من خارج الأحزاب والجماعة الحاكمة.
لم تقبل الجماعة الفكرة من الأساس، وتمسكت بكل شىء: النائب العالم الذى عينته السلطة التنفيذية، والحكومة التى اختارتها الجماعة، وبدا هناك إصرار على الاستماع للصوت الواحد والرؤية الواحدة.
لن يصل قطار الإخوان لهدفه النهائى، ولن تعترف الجماعة بأنها لم تنجح فى حل مشكلة واحدة من مشكلات المجتمع المصرى، أو أنها تمتلك الرؤية والقدرة على حلها، ولو بشكل متدرج.
إن عدم نجاح الإخوان لن يكون بالضرورة بسبب قوة معارضيهم، إنما بسبب فشلهم فى إدارة كل الملفات التى تصدوا لها: من الاقتصاد إلى السياسة إلى إدارة مؤسسات الدولة، فالإخوان أصبحوا فى أحيان كثيرة أعداء أنفسهم، وإن غدا لناظره قريب.
[email protected]
نقلاًعن جريدة "امصري اليوم"