عمرو الشوبكي
فى كل يوم وقفه احتجاجية يشارك فيها عشرات المظلومين وغير المظلومين، وفى كل جمعة هناك دعوة لمليونية يشارك فيها بضع مئات وعلى أفضل تقدير بضعة آلاف، أما المتظاهرون الذين نزلوا بالملايين أثناء الثورة وبمئات الآلاف فى مواجهة الإعلان الدستورى فقد اختفوا تقريبا من الشوارع لصالح نشطاء القوى الاحتجاجية تارة أوحملة المولوتوف تارة أخرى.
فهناك من يدعون لمليونية لحصار مكتب الإرشاد للاحتجاج على الاعتداء الذى قام به شباب الإخوان ضد الصحفيين والنشطاء أمس الأول ، وهناك من دعا لمليونية أخرى تطالب بنزول الجيش شارك فيها بضع مئات، وهناك من يدعون للتظاهر كل يوم فى المحلة والمنصورة، وباستثناء بورسعيد الجريحة فإن فى كل محافظة جماعات تحتج لا يتجاوز عددها المئات.
ويبقى السؤال: أين اختفى هؤلاء المتظاهرون، ولماذا اختفوا؟
إن كثيرًا ممن أحجموا عن المشاركة فى التظاهرات الاحتجاجية هم أنفسهم الذين يرددون كل يوم متى سيرحل الإخوان؟ وهم الذين يعانون من فشلهم فى الأمن والسياسة، ولكنهم ليسوا على استعداد أن يناضلوا بالقنابل الحارقة ولا العنف «غير الثورى» الذى يمارسه البعض أو القلة.
صحيح أن البعض يرى أن هذه المظاهرات الاحتجاجية ما هى إلا البداية، على طريقة أول الغيث قطرة، وأن المئات الذين تظاهروا عقب تأسيس حركة كفاية هم الذين فتحوا الطريق للملايين التى نزلت فى 25 يناير.
والحقيقة أن الوضع الحالى أكثر تعقيدا بكثير مما كان عليه الحال فى عهد مبارك، فمبارك سقط عقب ثورة تخلى فيها الجيش عن حكمه بعد أن أغضبه مشروع التوريث، ونزل الشباب بعد تنحى مبارك فى 12 فبراير لينظف ميدان التحرير وليعلن سقوط مبارك ومشروع التوريث، بما يعنى أنه كان مستعدا لقبول أى بديل عسكرى أو مدنى من داخل الدولة ومن خارج عصابة التوريث، مثله مثل ملايين المصريين الذين أيدوا الثورة بالدعاء ومن قلب حزب الكنبة، وبما أن هذا البديل كان غائبا، وأفشل طنطاوى بديل عمر سليمان وأحمد شفيق وعمرو موسى، وأدار بشكل كارثى المرحلة الانتقالية، ليفتح الطريق أمام بديل آخر محافظ وإصلاحى وهو الإخوان المسلمون.
إن شعور قطاع واسع من المصريين أن نزولهم للشارع أثناء الثورة لم يؤد إلى انتقال السلطة إلى من راهنوا عليه ( كالبرادعى مثلا )، إنما إلى من لحق بقطار الثورة ووصل للسلطة نتيجة قوة التنظيم والمناورة وليس التحريض على الثورة.
إن إحباط البعض من المشهد الحالى وشعور البعض الآخر أن نزولهم مرة أخرى للتظاهر لن يكفى لتغيير النظام جعل معظم المظاهرات الحالية بلا متظاهرين، ودفع البعض إلى الاعتقاد أن «الفرج» سيأتى بسبب فشل الإخوان والانهيار الاقتصادى، أوعن طريق مخلص كالجيش وليس المظاهرات.
سيستمر الحال على ما نحن فيه، احتجاجات يومية تضغط على النظام الحالى ولكنها غير قادرة بمفردها على تغييره، وبديل حزبى ومؤسسى لم تنجح القوى المدنية فى بنائه بعد، وأداء فاشل للحكومة والرئاسة، وستبقى مصر أمام خطرين: خطر الانهيار الكامل فى أشهر قليلة تحت وطأة الأزمة الاقتصادية وضغوط القوى الاحتجاجية وفشل سياسات الإخوان، أو خطر البقاء كنموذج لدولة شبه فاشلة حتى نهاية الفترة الأولى من حكم مرسى ( 3 سنوات أخرى)، تكون فيها المظاهرات التى بلا متظاهرين جزءًا من الحالة اليومية ولكنها ليست الفصل الأخير.
نقلاً عن جريدة المصري اليوم