عمرو الشوبكي
المشاهد الصادمة التى يراها المصريون الآن، من حصار الوزارات والمحاكم والصحف وأقسام الشرطة، ومن حرق مقار الأحزاب، ومن فوضى مرعبة فى الشوارع ومصادمات دموية بين المتظاهرين وغير المتظاهرين وبلطجة يومية يسقط فيها قتلى وجرحى، جرى تحميل مسؤوليتها لـ«الطرف الثالث» الذى اتهم فيه رجال الحزب الوطنى السابق والأجهزة الأمنية القديمة، وعاد وتكرر الاتهام ضد الإخوان المسلمين حين اعتبرهم خصومهم أنهم المسؤولون عن هذه الحوادث دون أى دليل موثق.
وقد أثبتت الأيام أن نظرية «الطرف الثالث» لا تفسر كل ما جرى وما سيجرى فى البلاد، وأن هناك أسباباً محددة أدت بنا إلى هذه الفوضى العارمة، بعضها تتحملها التيارات المدنية والائتلافات الثورية أثناء المرحلة الانتقالية، وحذرنا منها ورفضناها فى وقتها رغم صخب الهتافات الثورية، وأغلبها يتحملها من وصلوا للحكم بصندوق الانتخابات وبآليات ديمقراطية وفشلوا نتيجة تصوراتهم المغلوطة فى إدارة الدولة وتفعيل مؤسساتها.
نعم كانت هناك مراهقة من قبل البعض، وكانت المعركة ضد مؤسسات الدولة، التى تحتاج إلى إصلاح حقيقى وجراحى مؤكد، فاقت حدود العقل، ودخل البعض فى علاقة ثأرية مع الشرطة والجيش، واستهدف القضاء واتهم باتهامات باطلة، وتحدث البعض عن الجيش الثورى والمحاكم الثورية والداخلية التى يجب حلها وغيرها من الأفكار الكارثية التى ظلت كأصوات احتجاجية معارضة وفى أوساط محدودة.
ولولا أن فى مصر مؤسسة كالقضاء حافظت على استقلالها النسبى وواجهت مبارك حين حاول أن يزور انتخابات 2005 وأشرفت على الانتخابات التى أوصلت مرسى إلى سدة الرئاسة، لكنا فشلنا فى إجراء أى انتخابات من الأصل.
ولو لم يكن فى مصر جيش ظل محافظاً على تقاليده المهنية وانضباطه العسكرى وبصرف النظر عن أخطاء المجلس العسكرى الكثيرة لكان هذا الجيش منقسماً مثل الشارع ومثلما جرى فى ليبيا وسوريا وقبلهما العراق ولكان الثمن أكبر من أن يتحمله أحد.
وجاء الإخوان إلى الحكم وظلوا محكومين بسلوك المعارض المضطهد فارتابوا فى مؤسسات الدولة مثلما ارتابت هى فيهم، وبدلا من أن يعملوا على إعادة الثقة فى هذه المؤسسات أصدر الرئيس إعلاناً دستورياً أدخله فى مواجهة مفتوحة مع القضاء ومع الداخلية حين وظَّف قضية دماء الشهداء لإعادة محاكمة ضباط حصلوا على براءة أمام قاضيهم الطبيعى، ثم أصر على فرض حماية خاصة لحلفائه الـ«حازمون» الذين راحوا يحرقون مقار الأحزاب ويهددون الصحف وأقسام الشرطة دون أن يحاسبهم أحد بتهمة التحريض وممارسة العنف لأنهم داخل «المظلة الإخوانية» ولديهم حماية من الجماعة ونائب المرشد.
لقد فشل الرئيس فشلاً ذريعاً فى أن يكون رأس السلطة التنفيذية القادر على إعادة العمل فى مؤسسات الدولة المصرية بإصلاحها وتطوير أدائها، وبدا كأنه رئيس جماعة يرتاب فى دولته وغير قادر على إصلاحها أو تفعيلها، ويتحدث عن نظريات المؤامرة كل يوم مثلما كان يتحدث حين كان عضوا فى الجماعة «المحظورة» فى عهد مبارك، ولم يع أن الدولة فى مصر ليست مثل سوريا أو العراق أو ليبيا إنما هى «دولة عميقة» ذات تقاليد، كثير منها إيجابى وكثير منها سلبى يحتاج إلى إصلاح جذرى، لا هدم أو انتقام.
وبدت النقلة السريعة التى حدثت فى صفوف الجماعة من المعارضة المستمرة والاضطهاد الطويل إلى السلطة عاملا رئيسيا وراء هذا الفشل فى إعادة تفعيل مؤسسات الدولة، لا تصفية الحسابات معها، أو إعادة تفصيل مؤسساتها لصالح الجماعة لا الشعب المصرى
نقلاً عن جريدة "المصري اليوم"