عمرو الشوبكي
أصدر الرئيس مرسى إعلاناً دستورياً جديداً حصّن به قراراته الرئاسية من أى أحكام قضائية وحصن معها مجلس الشورى الذى انتخبه حوالى 5% من الشعب المصرى من الحل، وكذلك فعل مع الجمعية التأسيسية التى مثلت عنصر شقاق بين المصريين وقدمت مسودة دستور فيها من المشاكل والعيوب الكثير.
مدهش أن يوظف رئيس جاء بصندوق الانتخابات الشعارات الثورية لتحقيق أهداف جماعته التى تحكم، فلا الرئيس ولا جماعة الإخوان المسلمين الإصلاحية والمحافظة وصلت إلى الحكم عبر انقضاض ثورى أحمر كما جرى فى الثورة الشيوعية فى روسيا، أو أخضر كما فعل القذافى بانقلابه العسكرى، إنما جاء الرجل عبر صندوق الانتخابات وبفضل قضاة مصر المحترمين الذين أشرفوا بكل نزاهة على انتخابات الرئاسة وتحملوا كثيراً من الاتهامات والشتائم، وفى ظل عالم أسس على مدار 40 عاما لتجارب تغيير تبنت مفاهيم العدالة الانتقالية التى تنشئ نظاماً قانونياً متكاملاً مهمته المصالحة والإنصاف، والمحاسبة القانونية وليس الثورية لكل من ارتكب جريمة فى العهد السابق.
هكذا فعلت جنوب أفريقيا ودول أوروبا الشرقية وكثير من دول أمريكا اللاتينية التى بنت نظماً ديمقراطية، كثير منها تقدم وبعضها تعثر، وبقيت النظم التى وصفت نفسها بالثورية وحوّلت قيم الثورة النبيلة إلى حصانة للنظام الجديد، فقراراته محصنة لأنه يحكم باسم الثورة، وزعيمه شبه إله لأن قائد الثورة، هكذا فعل كثير من النظم الاستبدادية فى العالم كله.
لقد عمقت قرارات مرسى حالة الانقسام الموجودة داخل المجتمع المصرى، خاصة أنها تأتى من جماعة مازالت حتى هذه اللحظة خارج إطار الشرعية القانونية للدولة التى تحكمها، وأيضا غير قادرة على طمأنه غالبية الشعب المصرى بأنها تستهدف الصالح العام وليس مصالح الجماعة الضيقة، وبالتالى تصبح قراراتها العادية محل ريبة، فما بالنا بقراراتها المثيرة للجدل والرفض مثل إعلان مرسى الأخير بتحصين قراراته وجمعيته التأسيسية ومجلس شوراه.
ستتفاقم الأمور فى مصر وستزداد انقساماً، وسيشهد المجتمع مواجهات حقيقية، لأننا جميعا لم نقدر «نعمة» إسقاط مبارك بثورة سلمية تماسكت فيها الدولة ولم تسقط، رغم ضربات الكثيرين، ولم ندفع ثمناً باهظاً جراء هذا التغيير فهو الأسهل والأنعم فى تجارب الربيع العربى كلها، وكان من المنتظر أن يبدأ الجميع فى البناء والمنافسة الديمقراطية، وللأسف حدث العكس فبدأ المجلس العسكرى وأدار واحدة من أسوأ المراحل الانتقالية فى تجارب التحول الديمقراطى، وجاء الإخوان للحكم عقب انتخابات حرة نزيهة وعمّقوا الانقسام داخل المجتمع نتيجة فشلهم فى إدارة الدولة ولو بحد أدنى من الكفاءة، وارتكبوا الخطأ تلو الآخر حتى وصلنا إلى الانقلاب الأخير الذى عمّق من هذا الانقسام.
يجب على الرئيس المنتخب أن يتراجع عن قراره الأخير وإلا ستدخل مصر فى نفق مظلم، وسيصبح كل شىء فيها مهدداً بما فيه حكم الإخوان.
نقلاً عن جريدة "المصري اليوم"