عمرو الشوبكي
تحدث الرئيس فى خطابه الأخير بثقة عن قرارات صعبة ينوى اتخاذها، وأعلن أنه قال للناس قبل ترشحه إن وضعنا الاقتصادى صعب وإن «الشيلة» لن يستطيع حملها بمفرده، وإن على الشعب أن يساعده فى تحمل المسؤولية.
والمؤكد أن الوضع الاقتصادى فى مصر مأزوم أزمة كبيرة، وأن الوضع السياسى مأزوم أيضا، وأن قضية تحمل الشعب للصعاب واردة مثلما جرى أحيانا عندنا وعند غيرنا.
والحقيقة أن معضلة قرارات الرئيس الصعبة ليست بالضرورة فى طبيعة القرارات الصعبة إنما فى السياق السياسى والدولى الذى ستتخذ فى ظله هذه القرارات وتجعل الرئيس يفكر مائة مرة قبل اتخاذ مثل هذه القرارات.
نعم نحتاج لقرارات اقتصادية صعبة فى الدعم والتعليم والمواصلات ونحتاج لسياسات تقشفية واعتماد أكبر على المنتج المحلى، ولكن قبلها علينا أن نتساءل عن السياق الذى ستطبق فيه هذه القرارات حتى نتعامل معها بحذر شديد ولا ننظر للناس على أنها مضمونة، ومؤيدة على طول الخط.
والحقيقة أن السياق الذى ستخرج فيه مثل هذه القرارات الآن يختلف جذريا عن السياق الذى خرج فيه جانب منها فى عهد الزعيم جمال عبدالناصر، فالسياسات التقشفية وتشجيع المنتج المحلى كانت فى عصر شهدت فيه مصر أكبر حركة تصنيع فى تاريخها المعاصر اعتمدت بشكل أساسى على القطاع العام وعلى قلاع صناعية ضخمة فى المحلة ونجع حمادى وحلوان وغيرها، وكان هناك منتج وطنى مسيطر على السوق المحلية وينافس خارج الحدود، أما الآن فنحن أمام صناعة يقودها منذ عقود القطاع الخاص وتعرضت فى الفترة الأخيرة لضربات كثيرة، خاصة المتوسطة منها، كما تراجع حجم الاستثمار المحلى والأجنبى بصورة كبيرة فى السنوات الثلاث الأخيرة، وهنا سيصبح السؤال الأول: كيف نعيد الاستثمار الغائب إلى مصر؟، هل نجحنا فى إعادة الحياة لقلاعنا الصناعية الكبرى من شركات غزل أو صناعة سيارات؟، الحقيقة أن المنتج المحلى فى أزمة كبيرة منذ عقود لم نجد لها حلولاً، والاستثمار داخل مصر متراجع، وهذا ما كان يجب أن نبدأ بتطويره ونحقق فيه قدراً من النجاح قبل الحديث عن القرارات الصعبة.
علينا أن نعرف أن مصر ليس لديها معارك حقيقية مع القوى الاستعمارية الكبرى (بعيداً عن نظريات المؤامرة التى تغطى على الأخطاء الداخلية) مثلما كان عليه الحال فى الستينيات، فمصر وقتها كانت قادرة على أن تستغنى عن المعونة الأمريكية المحدودة وعن القمح الأمريكى، ولم تكن قضيتها الرئيسية البحث عن القروض والمساعدات الخارجية، فقد كانت قادرة على أن تكون طرفاً دولياً فاعلاً وتقود معارك التحرر الوطنى وتؤثر فى لعبة الأمم وهى واقفة على أرض داخلية صلبة.
للأسف الشديد نحن الآن، نتيجة تراكم سلسلة من الأخطاء، نقف على أرض هشة للغاية داخلياً وخارجياً، ونطلب من العالم أن يقرضنا ونتهم من يسلفوننا بالتآمر علينا، فى حين أننا حين كنا نتهمهم بالتآمر فى الستينيات لم نكن نطلب منهم أن يقرضونا.
الإجراءات الاقتصادية الصعبة تحتاج إلى بعض التأنى، لأننا فى ظل وضع اقتصادى صعب، تحمّل فيه الناس ثمن تراجع الاستثمار وانهيار السياحة وضعف الجنيه، مع تبنى نظرية تأجيل الديمقراطية حتى يقف البلد على قدميه رغم الاحتقان المجتمعى والسياسى، ثم نأتى بعد ذلك ونقول للناس تحملوا مزيداً من القرارات الصعبة.