عمرو الشوبكي
تعبير الدولة الفاشلة تعبير علمى يُستخدم بخصوص الدول التى تعجز عن القيام بواجباتها تجاه مواطنيها، فتتراجع كفاءة المؤسسات وتنهار الخدمات ويغيب الأمن وتغيب الجيوش الوطنية أو تتحوّل إلى جيوش طوائف وقبائل ونظم لا جيوش دول وشعوب.
وتجارب الدول الفاشلة كثيرة، وشهدنا مؤخرًا فى العالم العربى تجارب غياب الدولة وانهيارها بالكامل وليس فقط فشلها فى تأدية وظائفها، وصارت الدولة الفاشلة حقيقة، أما سؤال المجتمع الفاشل فظل فرضية طرحها بعض علماء الاجتماع بأدلة كثيرة.
والحقيقة أن تعليق أستاذ علم الاجتماع السودانى، حيدر إبراهيم، لى منذ عامين فى مؤتمر بمكتبة الإسكندرية حول المجتمعات الفاشلة فتح النقاش حول هذا المفهوم ودلالته.
والحقيقة أن فى مصر مثل أى بلد آخر، فإن الدولة أو النظام السياسى مسؤولان عن تشكيل وعى المجتمع وصناعة تقدمه، وأن سؤال من يتحمل المسؤولية على طريقة البيضة أم الدجاجة، لن يحل مشكلة المجتمعات والدول المتخلفة، فيقيناً مسؤولية النظم أساسية إلا أنها وجدت واستقرت فى تربة مجتمعية ساعدتها على الاستمرار، ونظرية العالم الجزائرى، مالك بن نبى، عن «القابلية للاستعمار» المتعلقة بأوضاع الدول المأزومة التى جعلتها قابلة أن تُستعمر (بضم التاء)، فليس مطلوباً أن تدين الاستعمار فقط إنما أيضًا أن تعرف الأسباب التى جعلت هذا المجتمع دون غيره قابلاً للاستعمار.
والحقيقة أن نفس الأمر ينسحب على دول ومجتمعات كثيرة فى مرحلة ما بعد الاستعمار، فلماذا خرجت مجتمعات من الاستبداد، ولماذا بقيت أخرى سعيدة أو متعايشة معه، لماذا تقدمت مجتمعات فى 20 عاماً ولماذا بقيت أخرى تعانى من التخلف 200 عام.
والواقع أن قضية المجتمعات الفاشلة لا علاقة لها بنظريات الشعوب المتخلفة لأسباب «جينية» تتعلق بجوهرها العِرقى أو الدينى أو الثقافى، أى لأسباب خلقية كما يردد بعض الجهلاء أو الكسالى ليحكموا بالإعدام على شعب من الشعوب أو ثقافة من الثقافات، إنما هى أزمة دول ومجتمعات معاً، فالدول الفاشلة تنتج مجتمعات فاشلة، مثلما أن المجتمعات الفاشلة تنتج دولًا فاشلة أيضاً على طريقة «كما تكونوا يولَّ عليكم». وأن المجتمع يساهم فى صنعه سلطة ونظام سياسى وليس فقط موروثًا ثقافيًا واجتماعياً، وأن تعبير المجتمع هو تعبير متحرك ديناميكى نتاج تفاعلات كثيرة محيطة به، وليس فقط أحكامًا قيمية مطلقة وساكنة لا تتغير بتغير النظم والأزمنة.
فمثلًا فى بعض المجتمعات الأوروبية كان هناك من يتحدث فى نهاية الستينيات وأوائل السبعينيات عن أن إسبانيا والبرتغال غير قابلتين لبناء نظم ديمقراطية، لأن فى الأولى نسبة الأمية تصل إلى 15% وفى الثانية إلى 20%، كما أنها شعوب كاثوليكية متعصبة، والدين مهيمن على ثقافة شعوبها بصورة تجعلها غير قادرة على تقبل النظام الديمقراطى.
ما جرى فى البلدين الأوروبيين اللذين صارا بعد ذلك دولتين أوروبيتين متقدمتين وديمقراطيتين، تكرر فى مجتمعات كثيرة مثل أمريكا الجنوبية وأوروبا الشرقية حين كانت تصف مجتمعاتها أيضاً بأنها غير قابلة للديمقراطية.
والحقيقة أن هذا الحديث يتكرر كثيرًا حول العالم العربى، وفى القلب منه مصر، حيث يرى الكثيرون أن هناك صعوبة أن تصبح مصر بلد ديمقراطى فى ظل تدهور التعليم ونسبة أمية تصل إلى الثلث وانهيار الإعلام وضعف الثقافة الديمقراطية وهيمنة الخرافة والأكاذيب حتى صارت وجهة نظر.
والحقيقة أن الحديث عن المجتمع المأزوم (وحتى الفاشل) تنقلك إلى مستوى آخر غير الحديث عن الشعب الجاهل والمتخلف... إلخ، من الأسطوانة المشروخة، فيها قليل من العمق والجهد، قد يدفعك إلى فهم أسباب أزمة هذا المجتمع، وعجزه عن بناء نظام كفء وديمقراطى ومواجهتها، أو تستسلم لها وتعتبر أن المجتمع غير قادر على أن ينتج إلا الدول والنظم الحالية، وتبقى الأحوال على ما هى عليه حتى إشعار آخر يتغير فيه المجتمع.