بقلم - عمرو الشوبكي
فى مصر هناك إرهاب «المحترفين»، الذين تربوا على عقيدة عنف وتكفير منحرفة، تبنتها تنظيمات عديدة آخرها تنظيم ولاية سيناء أو داعش، وهناك إرهاب «الهواة» الذى عرفناه منذ بدايات العقد الماضى فى ميدان عبد المنعم رياض والأزهر، وكان عبارة عن إرهاب مجموعة عائلية وخلايا منعزلة استهدفت السياح وحملوا بدايات أولى لإرهاب انتقامى.
ولم تستطع الدولة منذ ذلك الوقت (وقبلها) حسم معركة الإرهاب، لأنها لم تمتلك، خاصة فى السنوات الأخيرة، أى رؤية سياسية واجتماعية للتعامل مع تعقيدات ظاهرة الإرهاب والتمييز بين تنظيماتها وخلاياها وبين بيئتها الحاضنة، واكتفت فقط بالقراءة الأمنية الضيقة.
والحقيقة أن الخلط بين الإرهاب الدينى العقائدى (يمارسه عادة محترفون) وبين الإرهاب الانتقامى الثأرى (يمارسه عادة هواة) جعلنا غير قادرين على مواجهة الاثنين، لأن الأخير المتصاعد لا يحتاج إلى حلول عسكرية إلا فى مراحله الأخيرة، ولا حلول دينية تتعلق بإصلاح للخطاب الدينى، لأن دوافعه بالأساس اجتماعية وينطلق من روايات مظلومية سياسية يجب مواجهتها أساسا بإجراءات اقتصادية وسياسية.
إن معركة مصر ضد الإرهاب تستلزم تركيزا شديدا على العدو الحقيقى للبلاد وتجفيف المنابع التى تغذيه وتدعمه وقطع كل الشرايين المجتمعية التى يمكن أن تشكل بيئة حاضنة للإرهاب، أما الانشغال فى معارك مع المعارضة وشبابها وننسى أن توسيع دائرة الخصومة والملاحقات الأمنية لتشمل دوائر سياسية حتى لو وصفها البعض بالمعارضة المخطئة والمتجاوزة (ولكن ليس لهم علاقة بالإرهاب ولا التحريض عليه) سيعمق من مشاكلنا وسيزيد من حدة الانقسام المجتمعى وسيعطى نقطا مجانية للإرهاب وجماعات التطرف.
إرهاب الهواة والانتقام والتهميش شاهدناه فى عشرات الحوادث الإرهابية، فبداية من القنابل الهيكلية البدائية التى خلفت عشرات الضحايا وانتشرت طوال الفترة من 2014 وحتى 2016 ونحمد الله على تراجعها «»«»«»«»«»«»جزءا«»«»«»«» من هذه الظاهرة، كما شهدنا أيضا ظاهرة الإرهابيين الهواة الذين أطلقوا النار العام الماضى على أحد فنادق الغردقة واكتشفنا أن أحدهم «ألتراس» زملكاوى، وهل نسينا أن الإرهابى الذى اقتحم أحد فنادق العريش فى العام الأسبق وقتل قضاة وموظفين لم يكن له أيضا أى ماضٍ تكفيرى وتردد أنه ينتمى للتيارات المدنية الثورية.
هل نريد أن نحول شبابا معارضا إلى شباب إرهابى أو متواطئ مع الإرهاب بسبب المعارك الغلط وبسبب الضغوط والملاحقة الأمنية؟، معركتنا ضد الإرهاب لن تنجح إلا إذا أوقفنا الضغط على هؤلاء الشباب وواجهناهم أو احتويناهم بالسياسة، وميزنا فى نفس الوقت بين الجماعات التكفيرية الإرهابية التى ترفع السلاح فى وجه الشعب والدولة وتروع الأبرياء بناء على تفسيرات منحرفة للنصوص الدينية، وبين آخرين يمارسون إرهابا بناء على رواية مظلومية وانتقام أو تهميش اجتماعى ويلتحف لحظة قيامه بالعمل الإرهابى بشعارات دينية، لا بقبوله وتدليله (مواجهته ستكون بالقوة أيضا طالما حمل السلاح) إنما بمواجهة البيئة التى أفرزته لوقف انتقال مزيد من الناس نحو العنف.
لم تقض القوة الغاشمة على الإرهاب فى أى مكان فى العالم، صحيح أن القوة العاقلة مطلوبة لكن بالتوازى مع إجراءات سياسية واقتصادية عاجلة تستهدف البيئة الاجتماعية الحاضنة للإرهابيين وتشتبك مع الخطاب الانتقامى الذى يجند محبطين ومهمشين ويحولهم لإرهابيين حتى لو كانوا هواة.
نقلا عن المصري اليوم القاهريه