بقلم : عمرو الشوبكي
تقدم القائد العسكرى الليبى خليفة حفتر نحو العاصمة الليبية طرابلس وحاصرها منذ ما يقرب من شهر وفشل فى دخولها رغم قسوة المعارك، لأنه نسى أو تناسى أن الحل السياسى يسبق الحل العسكرى.
لقد سيطرت قوات حفتر على موانئ النفط ومناطق الهلال النفطى فى عدة مدن بين بنغازى وسرت، وبذلك يكون سيطر على عصب الاقتصاد الليبى، بما يعنى امتلاكه قوة اقتصادية وعسكرية كبيرة.
وقد ساعدت القوة العسكرية والاقتصادية والدعم الإقليمى لحفتر على اتخاذه قرار الهجوم على طرابلس، ولكنه افتقر للمشروع السياسى الحاضن أى تحرك عسكرى، والذى كان يستلزم عمل تفاهمات مع قبائل وأطراف ليبية عديدة داخل طرابلس وخارجها حتى يستطيع تحويل معركته العسكرية من معركة دموية يسقط فيها مئات المدنيين وتدمر فيها أحياء كاملة، إلى فتح ناعم لطرابلس يواجه فقط القوى التكفيرية والإرهابية ويدعمه أغلب السكان.
امتلك حفتر قوة عسكرية على الأرض، ونظريا هو يحمل شعار بناء الدولة الوطنية، ولكنه للأسف لم يهتم به أحد واكتفى بالحسم العسكرى الذى من الصعب حدوثه.
صحيح هناك مؤشرات كثيرة تقول إن الواقع المحلى الليبى يقول إن مشروع حفتر العسكرى هو الأقرب ليكون بديلا لنظام القذافى الذى سقط دون أن يختفى من الواقع بالرهان على بناء مؤسسات الدولة، ولكن يحمل مشروعًا سياسيًّا وليس فقط عسكريًّا.
يمكن النظر لمشروع حفتر على أنه صناعة محلية بالكامل، فهو خليط من صورة محسنة تمامًا لنظام القذافى مع صورة العسكرى البطل الذى يقاتل الأعداء والإرهابيين، وقد نجح حفتر فى إعادة بناء الجيش الوطنى الليبى، الذى يعد أكبر قوة مسلحة فى ليبيا (تقترب من نصف هذه القوى) ولكن ليس بصورة مؤسسية واحترافية كاملة، فلايزال يضم بداخله ميليشيات سلفية وغير سلفية بعيدة عن تقاليد الجيوش المحترفة والنظامية، فى حين تنقسم باقى القوى بين تنظيم داعش الإرهابى والفصائل المسلحة التى تدعمه، وميليشيات البيان المرصوص التى تؤيد حكومة السراج ومعها فصائل أخرى، بما يعنى أنه لا يمكن لقوات حفتر بمفردها أن تسيطر على ليبيا دون غطاء سياسى وتفاهمات داخلية.
يحتاج حفتر لما هو أكبر من الدعم العسكرى، أى مشروع سياسى متكامل (لايزال غائبا)، إلا أن التعامل معه يجب أن يكون أيضا فى إطار النظر لمفهوم التغيير بعد تجارب الثورات العربية، وأهمية أن يكون من داخل النظام أو عبر «الرجل الجسر» بين النظام القديم والجديد، وأن حفتر يمثل فرصة لإعادة بناء جيش وطنى قوى قادر على دحر الإرهاب، ولكن عليه أن يبنى مشروعا وتيارا سياسيا يفتح الباب لعملية سياسية وانتقال ديمقراطى، ويكتفى هو بدور القائد العسكرى وليس بالضرورة الزعيم السياسى.