بقلم - عمرو الشوبكي
أثار الخطاب الذى ألقاه الرئيس أثناء افتتاح حقل ظهر، الأسبوع الماضى، جدلا واسعا لم يخل من انتقادات كثيرة، خاصة أنه أكد المخاطر التى تتعرض لها البلاد، وأنه لن يسمح بتهديد أمن مصر وشعبها، وأن ما جرى منذ 7 سنوات لن يسمح بتكراره.
ورغم أن الرئيس أكد أنه ليس سياسيا إنما هو فى الحقيقة ينتمى لمدرسة فى السياسة تستدعى دائما التهديدات «الوجودية» الكبرى وتتجاهل التفاصيل، مثل نظم كثيرة عرفتها دول العالم الثالث عقب استقلالها يسأل فيها المواطن حكامه عن غلاء الأسعار فيردون بأن هذا بسبب الاستعمار، ويسأل آخر: أين الحريات؟ فيردون نحن فى حالة حرب ضد أعداء الخارج والداخل وهكذا.
وقد يكون مفهوما أن السيسى من موقعة داخل المجلس العسكرى كان شاهدا على تهديدات كبرى تعرضت لها مصر ككيان ودولة جعله يميل دائما طوال الأربع السنوات الماضية إلى الإحالة لهذه النوعية من التهديدات، فهناك متآمرون على أمن مصر وهناك قوى دولية تدعم الإخوان المسلمين من أجل إسقاط النظام، وهناك أوضاع اقتصادية صعبة حاول البعض استثمارها لتحقيق مكاسب سياسية رغم أنه يعلم أنه لم يكن هناك بديل لهذه الإجراءات (تحرير سعر الصرف وغيرها)، وذلك من باب المكايدة السياسية فى الحكم.
الأوضاع الإقليمية والداخلية وخلفية الرئيس العسكرية والمخابراتية تجعله ينتمى لمدرسة التهديدات الأمنية الكبرى والكلية التى يعطيها أولوية شبه وحيدة جعلته يرى مشهد الانتخابات باعتبار أن هناك أطرافا تتآمر لإفشاله، ولكنه لم يشر لمسؤولية الحكم فى سوء إدارة هذا الملف من البداية وحتى مشهد المنافس المؤيد «الديكور».
يقينا هناك تحديات وتهديدات كبرى تواجه مصر، والإرهاب أحد مظاهرها، وأن رؤية هذه التهديدات وحدها وتجاهل تصاعد حجم التهديدات المترتبة عن سوء الأداء السياسى والتخبط وعدم تحديد الخطوط الحمراء التى تقف عندها القوى السياسية الشرعية، إنما تركت الساحة المجتمعية والسياسية محملة بالعشوائية وتتم محاسبة الناس وفق انتقائية سياسية فجة، وليس وفق أى قاعدة قانونية مجردة.
نعم لقد عرف العالم كله تجارب سياسية بنيت على أساس فكرة أو عقيدة أو تصور قائم على إعطاء الأولوية للتحديات الكلية، وهو مفهوم فى مراحل كثيرة فى حياة الشعوب حين تواجه تهديدات كبرى كما هو الحال بالنسبة لمصر، لكنها لم تتجاهل تفاصيل الواقع واشتبكت معه فنجحت وعبرت أزماتها الاقتصادية والسياسية.
الرئيس السيسى يؤكد دائما التحديات الكبرى والكلية من إرهاب ومؤامرات خارجية وداخلية، فى حين أن المطلوب فى ولايته الثانية أن يهتم بتفاصيل المشهد السياسى والاقتصادى، ويحدد جوانب الخلل الجسيم فى أداء مجمل النظام السياسى بالإجابة عن تساؤلات المرحلة القادمة:
هل ضعف المشاركة فى الانتخابات الرئاسية نتيجة دعاوى المعارضة بمقاطعة الانتخابات أم نتيجة المشهد الانتخابى نفسه الذى اختفى منه المرشحون الجادون؟ وما هو شكل النظام القادم حزب واحد أم تعددية مقيدة أم أجهزة دولة تحكم بلا وسيط سياسى؟ وهل الرئيس راض عن أداء البرلمان؟ وعن إهدار دولة القانون؟.
الشعب يحتاج إلى نقاش جاد حول مشاكله اليومية وطريقة إدارة ملفات البلاد فى الداخل والخارج.
نعم الشيطان يكمن فى التفاصيل وحان وقت التفاعل مع ما يعيشه الناس بعيدا عن الشعارات
نقلا عن المصري اليوم القاهرية