بقلم عمرو الشوبكي
كما هى عادة المهندس حازم راضى، فقد اعتدت أن أتلقى منه تعليقات مهمة، هى فى الحقيقة مقالات مكتملة الأركان يتفق فيها أو يختلف مع ما كتبت، أو يكتب إضافة جديدة، كما جاء فى رسالته الأخيرة:
الدكتور المحترم/ عمرو الشوبكى..
بعد التحية والتقدير قرأت مقالك «حضور المؤيدين وغيابهم»، والحقيقة أن هذا المقال قد أثار فى نفسى أفكارا عديدة أردت أن أتشاركها معك.
إن وجود تيار مؤيد وتيار معارض هو بالتأكيد أمر صحى وضرورى لأى نظام ديمقراطى فى أى دولة متقدمة، وبالطبع وجود دستور وقوانين صارمة تحدد قواعد المنافسة السياسية هو من أهم دعائم النظام الديمقراطى قبل أن يكون مجرد حرية رأى، تصل إلى حد الفوضى كما رأينا بعد ثورة 25 يناير.
ولكن هناك نقطة لم يتطرق إليها إلا عدد قليل من المفكرين، وهى مدى قابلية الدولة لتقبل فكرة الاختلاف والتغيير السلمى على أعلى المستويات.
إن الممارسة الديمقراطية السليمة لا سبيل لها إلا عن طريق الأحزاب ، ودعنا نفترض أن الأحزاب المصرية فى أفضل حالاتها، وأنها باختلاف مشاربها- يسارية أو ليبرالية أو ناصرية... إلخ- مُعبَّرٌ عنها، ثم تأتى الانتخابات الحرة النزيهة بأحد الأحزاب إلى سدة الحكم، فماذا سوف يكون رد فعل الدولة المصرية؟
إن الدولة المصرية- وأعنى بها الوزارات السيادية والمؤسسات المنوط بها وضع الاستراتيجيات والسياسات- لن تسمح بأن يتولى أحد من خارج هذا الإطار مناصب تنفيذية أو سياسية تجعل من الحزب منافسا لها.. بل إن الدولة العميقة- وأعنى بها دولة كبار وصغار الموظفين- لن تسمح بأى تغيير فى أساليب وطرق العمل بما يهدد مصالحهم.
إنك إن نظرت للحياة السياسية المصرية منذ عصر ما بعد العهد الملكى، فإنك لن تجد حزبا سياسيا أصبح له الحكم واستطاع تطبيق رؤيته كاملة، حتى الحزب الوطنى، فقد كان له دور محدود فى الحياة السياسية، رغم أنه دان له البرلمان والمناصب الكبيرة فى الوزارات والهيئات والحكم المحلى، ولكن كان له عدد قليل جدا من المحافظين، حتى الوزراء كانوا من التكنوقراطيين أو العسكريين، ورؤساء الوزارات- بغض النظر عن كفاءتهم- كانوا مجرد مُنفِّذين للتوجيهات العليا التى تصدر من الرئيس، وكان لأجهزة الأمن اليد العليا فى جميع السياسات الداخلية للدولة، باختصار الحياة السياسية المصرية كادت تعلن وفاتها قبل قيام ثورة 25 يناير!
وبهذا فإن التيار الذى سوف يتولى الحكم، سواء كان تيارا مؤيدا أو معارضا، سواء كان يمينيا أو يساريا، أو أيديولوجيا أو حزبيا، فإنه لن يستطيع إلا أن ينصاع للدولة العميقة، ويسير على نفس البيروقراطية التى تحكم دواليب العمل المصرية، وإن أراد أن يصلح أو يغير فى طريقة العمل فإنه سيواجه حربا شعواء، ويَلقَى صداما مع فئة كبيرة لها ثقلها فى الدولة المصرية.
وبالطبع سيدى فإنك تعرف مدى عدائى الشديد للإخوان، ولهذا فأنا أعتبر أن تجربة الإخوان فى الحكم لا تمثل أى نموذج يمكن أخذه فى نماذج الحكم، وأن تقييم تجربة أى حزب أو كتلة سياسية فى الحكم بعد 25 يناير (ما عدا الإخوان) لن يكون إلا قياسا لمدى استيعاب وقابلية الدولة بمفهومها السياسى أن يكون هناك حزب حاكم حقيقى، يستطيع أن يطبق رؤيته السياسية أو الاقتصادية، ويعين كوادره فى المناصب التنفيذية العليا، وأن تقبل الدولة أن تقوم بدور المنفذ لسياسات هذا الحزب، مع وجود رقابة شعبية على هذا الحزب، حتى لا يتحول إلى اتحاد اشتراكى آخر.
ولك منى جزيل الشكر والعرفان
م/ حازم راضى
مهندس تخطيط ومتابعة
ملحوظة: استعنت فى كتابة هذه الآراء بمقالة للكاتب محمد كمال، بعنوان: «هل تؤمن الدولة بالأحزاب؟».