توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الدولة العادلة

  مصر اليوم -

الدولة العادلة

بقلم : عمرو الشوبكي

رد فعل الدولة على جريمة الكاتدرائية كان قويا وحمل كثيراً من الجوانب الإيجابية، خاصة حضور الرئيس مراسم تشييع ضحايا الحادث، وقوة الخطاب الذى ألقى، والتوعد بالثأر من القتلة والإرهابيين، وهو ما هدأ من روع أهالى الضحايا وأعطى انطباعاً بحضور الدولة ولو متأخرة.

ومع ذلك فإن المشهد المهيب لتشييع ضحايا الحادث لم يخف أوجه القصور والخلل السياسى والأمنى وسوء الأداء الذى صار سمة عامة تعانى منها البلاد، خاصة بعد أن ركز على العموميات وحديث المؤامرات الكبرى وتعامل مع تفاصيل المعاناة اليومية على أن «لها رب يعين»، وتُركت لمسؤولين فشلوا فى تخفيفها.

والحقيقة أن الجروح التى أصابت المجتمع المصرى بعضها تتحمله «قوى الشر» (بالتعبير الرئاسى الشهير)، وكثير منها يتحمله سوء الأداء وغياب السياسة وحكم الدولة العادلة، ومهما قيل عن اللُّحمة الوطنية وأننا جميعا يد واحدة فإن الجروح أصابت المؤيدين والمعارضين، وهو تحول مهم ستكون له تداعيات خطيرة إذا ظل الأداء على ما هو عليه.

يقينا الدولة وأغلب الشعب واجهوا الإخوان عقب 3 يوليو بعد تورطهم فى عمليات إرهابية طالت الجميع، وأغمض كثير من المؤيدين للنظام الجديد عيونهم عن تجاوزات وأخطاء حدثت تجاه عناصر أغلبها غير إخوانية لم تتورط فى عنف ولم تحرض عليه ومع ذلك تعرضت للملاحقة والاعتقال، على اعتبار أن مصر كانت فى حرب حقيقية ضد الإرهاب، وأن الدولة المصرية كانت مهددة بالسقوط بضغوط أمريكية فى الخارج وإرهاب تكفيرى فى الداخل، فلا مانع من تقبل التجاوزات حتى لو وصل بعضها لدرجة الفداحة.

واعتبر الكثيرون أنه طالما الاعتقالات العشوائية لم تطل فصيله ولا تياره فلا مانع من حدوثها، إلى أن انتقلت هذه التجاوزات والاعتقالات إلى شباب التيارات المدنية، ومثلت القسوة الشديدة التى تعاملت بها الأجهزة الأمنية مع مظاهرات الدفاع عن مصرية تيران وصنافير واعتقال كثير من الشباب حدا فاصلا بين مرحلتين انتقل فيها قطاع جديد من شباب التيارات المدنية ورموزها من خانة النقد والإصلاح من داخل النظام إلى الرفض والاحتجاج من خارجه.

وبدأ السخط ينتقل إلى قطاع جديد عبر عن نفسه على مواقع التواصل الاجتماعى فى رفض جذرى للسياسات القائمة، بعد أن شعر بأنه غير مسموح له بالتعبير عن رأيه بالتظاهر السلمى أو بالنشاط السياسى، وأن دائرة الملاحقة طالته.

وانتقلت تداعيات غياب الدولة العادلة لشرائح أخرى من المصريين مؤيدة للنظام القائم، خاصة القطاعات الشعبية التى كانت عرضة لجرائم ارتكبها بعض أفراد الشرطة وصُدم الرأى العام بثلاث حوادث وفاة متتالية فى أقسام الشرطة آخرها ما جرى مع مجدى مكين حين مات ضحية التعذيب، كما أكد تقرير الطب الشرعى مؤخرا.

بسطاء المصريين الذين أحب قطاع واسع منهم الرئيس السيسى وأيدوه يتعرضون يوميا لانتهاكات كثيرة مع أنهم لا علاقة لهم بالسياسة، ساعد عليها هذا الخطاب الذى يعتبر أنه ليس مطلوبا فى هذا الوقت نقد الداخلية، لأنها تواجه الإرهاب وتقدم الشهداء (وهو صحيح) مع أن النقد المطلوب هو من أجل إصلاحها واستعادة الحاضنة الشعبية التى وقفت معها فى 30 يونيو وتراجعت الآن.

غياب خطاب الاستيعاب وتقديم البدائل لقرارات رفع الدعم وتعويم الجنيه من أجل تخفيف الأعباء عن هذه الشريحة المجتمعية الواسعة دفعها للغضب المكتوم والإحساس بالتجاهل التام، وكأنه مطلوب منها أن تدفع كل مرة الثمن، وفى نفس الوقت لم تعد تثق لا فى الحكومة ولا البرلمان بعد أن استمعت فقط لخطاب ضرورة التضحية وشعارات «بالإصلاح الجرىء نقصر الطريق» وغيرها من الشعارات المنفصلة عن واقعها.

وجاء تجاهل هموم بسطاء المسيحيين، خاصة فى الريف، والاكتفاء بخطاب الوحدة الوطنية ليساهم فى تكرار حوادث الطرد الجماعى من البيوت والمعاناة اليومية من أجل الصلاة، واستمرار خطاب التحريض والكراهية الذى يبث من قبل بعض المتطرفين فى مقابل حياد الدولة السلبى تجاه كثير من هذه الجرائم، مما عمق من معاناة قطاع واسع من المصريين المسيحيين لايزال يُنظر إليهم من قبل البعض على أنهم مؤيدون فى غالبيتهم الساحقة للرئيس والنظام القائم.

خطاب التهميش والاستبعاد وصل أيضا لقطاع واسع من رجال الأعمال والصناعة، فكم شركة أو رجل أعمال جاد خفض أو نقل نشاطه خارج مصر؟ وكم واحد تحدث عن احتكار الدولة ومؤسساتها السيادية لأنشطة لا تخصها (البعض يقول مبالغا: تقريبا كل شىء)؟، والسؤال: هل نحن فى حاجة للقطاع الخاص أم لا؟ وإذا كانت إجابة الدولة التلقائية نعم، فهل وضعنا بالفعل قوانين تجذب الاستثمار المحلى والأجنبى، أم أن ما يجرى عمليا وبالأرقام هو خروج متكرر لرأس المال وإغلاق مزيد من المصانع ودخول آلاف العاملين لسوق البطالة؟

وحتى العمل الأهلى التطوعى المعتمد على التمويل المحلى تعرض لضربة قوية عقب صدور القانون الأخير الذى لم تعرف عنه الحكومة شيئا، ووافق عليه البرلمان فى بضعة أيام، وصارت مساعدة الناس أو التخفيف من آلامهم عن طريق العمل الأهلى التطوعى يحمل مخاطرة لا تحمد عقباها.

الدولة العادلة هى التى تمسك مسطرة واحدة بعيدا عن الأهواء والتحيزات التى كثيرا ما أغمضت أعينها عن جرائم مكتملة الأركان وإهدار كامل لدولة القانون، لأنها كانت على هوى من يحكمون، فالديمقراطية نعرف أنها مؤجلة، ولكن دولة القانون التى تنظم «البيزنس» والمجال العام والعلاقة بين الأفراد تعرفها الإمارات والصين وماليزيا وغيرها من الدول غير الديمقراطية، ولذا تقدمت وسبقتنا بمئات الأميال، وسنبقى على حالنا طالما ظلت الدولة العادلة نسمع عنها فى الخطاب الرسمى ولا نراها فى الواقع المعيش.

المصدر : صحيفة المصري اليوم

GMT 07:45 2018 السبت ,13 تشرين الأول / أكتوبر

من مفكرة الأسبوع

GMT 07:08 2018 الإثنين ,18 حزيران / يونيو

الثقافة فى خط الدفاع الأول

GMT 04:49 2018 السبت ,16 حزيران / يونيو

الوزيرات شجعن الرئيس

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الدولة العادلة الدولة العادلة



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 12:48 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على تاريخ مصر القديمة في مجال الأزياء والموضة

GMT 03:59 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة في حادث الاعتداء على هشام جنينه

GMT 10:53 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

العلماء يحذرون عشاق "شاي الأكياس" من المخاطر الصحية

GMT 15:26 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

ميلان يضع خُطة لإعادة تأهيل أندريا كونتي

GMT 09:19 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

وصول جثمان إبراهيم نافع إلى مطار القاهرة من الإمارات

GMT 08:13 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

التغذية غير الصحية كلمة السر في الشعور بالخمول

GMT 09:09 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

طارق السيد ينصح مجلس إدارة الزمالك بالابتعاد عن الكرة

GMT 00:47 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

أمن الإسماعيلية يرحب باستضافة المصري في الكونفدرالية

GMT 18:22 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

القدر أنقذ ميسي من اللعب في الدرجة الثانية

GMT 09:28 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

عرض فيلم "نساء صغيرات" في الإسكندرية
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon