بقلم : عمرو الشوبكي
عرف السودان، البلد الجار والشقيق لمصر، انتفاضة عظيمة أسقطت واحدًا من أسوأ النظم الاستبدادية فى المنطقة العربية، ومع ذلك يدهشك البعض بخيارات القوى المدنية التى تذكرك بخيارات نظرائها فى مصر حين قدمت، عقب ثورة يناير، هدايا مجانية لكل خصومها وعلى رأسهم جماعة الإخوان المسلمين، وفتحت الطريق لتدخل الجيش فى المسار السياسى وبدعم شعبى كبير.
مدهش وصادم حين يقرر المجلس العسكرى الانتقالى فى السودان أن تكون المرحلة الانتقالية عامين، ثم يأتى إعلان قوى الحرية والتغيير (المعبر الأساسى عن الثورة) ويطالب بأن تصبح أربع سنوات ثم بعد مفاوضات مع المجلس العسكرى يتوصلان إلى أن تصبح ثلاث سنوات.
إن الاتفاق المهدد بين الطرفين نص على وجود مجلس سيادة يتساوى فيه عدد المدنيين والعسكريين ورئيسه عسكرى (صلاحيات رئيس جمهورية) ومجلس وزراء مدنى، ومجلس تشريعى يضم 300 عضو ثلثهم يعبرون عن قوى الحرية والتغيير والباقى سيتم اختيارهم بالتشاور بين الجانبين.
والحقيقة أن خيار «تطويل» الفترة الانتقالية هو خيار ضد المنطق والعقل، وضد حتى مشروع قوى الحرية والتغيير للانتقال لدولة مدنية ديمقراطية، فالمطلوب تقصير الفترة الانتقالية لتصبح عاما واحدا على الأكثر.
إن مساراً انتقالياً مدته ثلاث سنوات يعنى كارثة على عملية الانتقال الديمقراطى، فمن ناحية أولى هو يخلق سلطة ضعيفة منقسمة على ذاتها تتعارض فيها مراكز القوى مما يعنى عدم وجود أى قدرة على إنجاز أى شىء للمواطن السودانى إلا التظاهر والاعتصام، أو العراك على فضة أو مكانة.
مجلس سيادى ومجلس وزراء ومجلس تشريعى لمدة 3 سنوات يعنى عدم قدرة على اتخاذ أى قرار، فتعدد مراكز القوى وانقسامها داخل السلطة التنفيذية والتشريعية فى بلد يعانى من انقسام سياسى وجهوى وانفصل جنوبه عنه وتطالب أقاليم أخرى بالانفصال، ويعانى أيضا من وجود ميليشيات مسلحة تابعة لنظام البشير، كما شهد قبل أن يجف حبر الاتفاق بين المجلس العسكرى وقوى الحرية والتغيير مصادمات فى ساحة الاعتصام سقط فيها 5 قتلى وعشرات المصابين ودفعت المجلس العسكرى لتعليق التفاوض.
هل يتخيل قادة الحرية والتغيير أن السودان يحتمل سلطة منقسمة وضعيفة وغير منتخبة 3 سنوات؟ هل يتصورون أن من سيختارون لدخول الوزارة أو البرلمان أو المجلس السيادى لن يثيروا حفيظة الآخرين الذين لم يمثلوا فى هذه المجالس وسنسمع عن «س» الذى باع الثورة و«ص» الذى تحالف مع المجلس العسكرى وغيرهما من الاتهامات المتبادلة.
هذه الحالة لن تستمر لأشهر وسيفقد قبلها الناس ثقتهم فى الثورة وفيمن يمثلونها، وسيطالبون المجلس العسكرى بحسم الأمر وتقديم المرشح القوى لينقذ البلاد من الفوضى والانقسام.
يحتاج السودان لرئيس جسر بين النظام القديم والجديد ينتخب من الشعب بعد عام على الأكثر وليس فترة انتقالية ثلاث سنوات.